مخطئ من يختزل ما قيل حول مؤامرة المليار الذهبى التى تحاك ضد البشرية بالفيروسات المميتة فقط.. فكل ما كتب فى حقبة تفشى كورونا عن مؤامرة أخرجت الفيروس للعالم من أجل إفنائه، وربط ما تبقى من موارد الأرض، من وقود ومعادن ومياه لن يكون صالحاً إلا للنخبة الغربية المنتقاة وهم نحو مليار نسمة فقط.
النظرية المستندة على أن ثراء الغرب كان قائماً فى الأساس على موارد مستعمراته فى الشرق والتى باتت الآن بؤرة المشاكل بالنسبة له.. وبذلك فإن المليار الذهبى الذى سيبقى على هذا الكوكب هم سُكان هذه الدول المُتقدمة والتى تشمل: أوروبا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأستراليا، واليابان.
وبالعودة إلى تأصيل هذه النظرية سنجد أنها تعود للكتاب الذى نشر عام ١٩٩٠ بعنوان «مؤامرة الحكومة العالمية: روسيا والمليار الذهبى» لمؤلفه الكاتب الروسى القريب من السلطة أناتولى تسيكونوفكتب تسيكونوف عن مؤامرة نهاية العالم التى تحيكها النخبة الغربية ضد روسيا.. فى وقت كانت الحقبة السوفييتية قد وصلت إلى محطتها الأخيرة.
يقول تسيكونوف إن «التغير البيئى» سيتسبب فى المزيد من المنافسة على الموارد عالمياً، مما سيجعل الكوكب فى نهاية المطاف غير صالح لسكنى البشر باستثناء مليار شخص فقط.
وعلى الرغم من أن الكاتب الروسى تسيكونوف قد توفى فى ظروف غامضة بعد عام من نشر كتابه فإن الأطروحة نفسها كررها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى مؤتمر البريكس فى موسكو عام 2022 حين تساءل عن أسباب سيطرة هذا المليار الذهبى من إجمالى سكان العالم على البقية ولماذا يفرض قواعد رؤيته الخاصة؟
وسواء تحدث تسيكونوف عن هذه النظرية أو التقط بوتين طرف الخيط منه، فإن ما تنبأ به الكتاب المنشور عام ١٩٩٠ هو كلمة «التغير البيئى».. التى باتت واقعاً نعيشه الآن بعد نحو ٣٥ عاماً.. فهل كان الكاتب الروسى يعلم أن أوروبا ستصاب بنوبات من الجفاف والحرارة الشديدة أو موجات من اندلاع الحرائق.
هل كان يعلم أن فصلى الربيع والخريف سيندثران من كتب المناخ لصالح الصيف والشتاء.. هل كان يعلم أن الغرب الذى استعمر الشرق لقرون طويلة.. يتآمر الآن لإفنائه بعدما استنزف موارده.. وهل كان يعلم أن هذا الغرب سيكون سبباً فى فناء البشرية بأكملها بعدما تسببت مصانعه فى رفع درجات حرارة الكوكب درجة ونصف.. هل كان تسيكونوف يعلم أنه فى كل عام تسجل درجات الحرارة بأنها الأعلى على الإطلاق فى العالم.
فى تقرير صادر من المركز الوطنى للبحث فى تغيرات المناخ ومقره ملبورن بأستراليا.. الذى قام برسم سيناريوهات مستقبلية وفقاً لمعطيات البحوث الحالية عن وضع المناخ فى العالم عام ٢٠٥٠، قال التقرير إنه قد يتشرد أكثر من مليار شخص، وينخفض إنتاج الغذاء، وتصبح بعض مدن العالم الأكثر اكتظاظاً بالسكان مهجورة جزئياً.
الأدميرال المتقاعد والرئيس السابق لقوات الدفاع الأسترالية كريس بارى، الذى أشرف على وضع التقرير قال: «بعد الحرب النووية يعد الاحتباس الحرارى الناجم عن النشاط البشرى أكبر تهديد لحياة الإنسان على هذا الكوكب».
فيما حذر المؤلفان ديفيد سبرات وإيان دنلوب، وهما من الباحثين فى مجال المناخ منذ فترة طويلة، من أن التغير المناخى فى الوقت الحالى يشكل «تهديداً قريباً إلى متوسط الأجل لبقاء الحضارة البشرية».
واستند الباحثان على بحث علمى حالى و«سيناريوهات موضوعة» للتنبؤ بأنه فى حال ارتفعت درجات الحرارة العالمية 3 درجات مئوية بحلول عام 2050، فإن 55٪ من سكان العالم على مساحة 35٪ من الأرض سيواجهون أكثر من 20 يوماً من الحرارة المميتة سنوياً.
ووفقاً لهذا السيناريو ستنهار العديد من النظم البيئية، بما فى ذلك تلك الموجودة فى القطب الشمالى، وغابات الأمازون الماطرة، ونظم الشعاب المرجانية.
وسيكون هناك أكثر من 100 يوم فى السنة من الحرارة المميتة فى جميع أنحاء غرب أفريقيا، وأمريكا الجنوبية المدارية، والشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا، مما قد يؤدى إلى نزوح أكثر من مليار شخص.
وسينخفض إنتاج الغذاء بسبب «التدهور الكارثى» فى أعداد الحشرات، والطقس الحار جداً، بحيث لن يتمكن البشر من البقاء فى المناطق الزراعية الكبيرة، بالإضافة إلى نقص مزمن فى المياه.
ومع عدم وجود ما يكفى من الغذاء لسكان العالم، فإن الأسعار سترتفع بشدة.
إذن فكل ما قيل عن نظرية المليار الذهبى، التى كانت سيناريو من سيناريوهات المؤامرة التى قالت موسكو إن الغرب يحيكها ضد العالم.. قد تتحقق بالفعل رغماً عن أنف الجميع.. ولكن هذه المرة بسبب مصانع العالم الغربى التى لوثت الهواء والماء والتربة ولم يعد حتى المناخ صالحاً للزراعة.
ولا عزاء للأجيال القادمة التى سترى نهاية هذا العالم بعدما استنزفنا كافة موارده فى مائة عام فقط من عمر هذا الكوكب.