لو قارنا بين أكبر مليونير وبين مفكر ولو كان مفكرا عاديا لمالت كفة المفكر الذي قدم لمجتمعه ما يدوم ويراكم من قيمته وحضارته وثقافته، وليس هذا تقليلا من شأن الأغنياء، لكن الثروة ليست مقياسا للتقدم ولا للحضارة وقد تكون الثروة نتاج أسباب ليس لمن امتلكها دخلا ولا شأنا بوجودها، بل ربما ورثها أو حفر الأرض ووجدها في أي صورة من صور الثروات الطبيعية.
وبهذه المعايير والمقاييس تعد مصر دولة غنية ولو كانت في الوقت الحاضر تعاني من أزمة اقتصادية، فالأزمة الاقتصادية تكون نتاج عوامل آنية سوف تذهب وتمر وبالتالي تعود مصر ثرية بجانب كونها غنية بحضارتها وثقافتها وتاريخها الاجتماعي والسياسي والعسكري.
قد يكون حولنا دول ثرية وأكثر منا تراكما في الثروة وبثرواتها أقامت المجتمعات وشيدت الأبراج العالية ومهدت الطرق كأحسن ما يكون وربما يكون بعضها قد بنى المتاحف ووضع قطع أثرية فيها، لكن كل ذلك لا يصنع تاريخا حقيقيا، فالمتاحف تلك تملأ بآثار من دول أخرى وليست من آثار الدولة مالكة المتحف، كما أن تمهيد الطرق يعني تسهيل سبل التنقل في الوقت الحالي لكن لا يعني إضافة طبقة حقيقية من طبقات التاريخ.
مصر غنية بتاريخها ومتاحفها الحقيقية وفنونها، بمسارحها ودور السينما وغزارة إنتاجها الدرامي مكتوبا ومصورا، غنية بآدابها وشعرها وموسيقاها، غنية بأم كلثوم وعبدالوهاب وسيد درويش ويوسف وهبي والريحاني والمهندس وعادل إمام وزكي رستم ومحمود مرسي وغيرهم من مئات الفنانين، غنية بمختار ومشرفة ومحمد عبده، مصر غنية بـ طه حسين والعقاد والحكيم ونجيب محفوظ العالمي ويوسف إدريس ومئات معهم ممن خطوا وسطروا آدابا رائعة.. مصر غنية بسعيد وطاهر ومحمد محمود خليل ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف وسميرة موسى.
مصر غنية بهيكل وهيكل ومصطفى وعلى أمين وموسى صبري والتابعي وغنية بشوقي وحافظ؛ ليس في ترتيب الأسماء أي قصد ولا معنى وإنما حسبما ورد كل منها بالذاكرة، فمصر غنية وجميلة، ولنتذكر فيلم غزل البنات وكل من شارك فيه لندرك كم مصر غنية وجميلة فقد جمع ذاك الفيلم بين الأجناس وصبها كلها في بوتقة مصرية.
يجب ألا تصيبنا الهموم بسبب أحوالنا المالية في الوقت الحالي فهي أزمة ستمر، لكن علينا أن ندرك كم نحن أغنياء، نحن المصريين.
دمت يا مصر غنية ودام تاريخك ناصعا.