عُقد مؤخرا (مايو 2024) المؤتمر الخامس لكليةِ الدرَاساتِ الإسلاميةِ وَالعرَبِيَّةِ للبَنِينَ، بالقاهرة، تحت عنوان: (دورُ مشَايخِ الأزْهَرِ الشريفِ فِي خدْمَةِ العلُومِ الشرعيَّةِ واللغويَّةِ)، وهو موضوع انطلق أولا من دور الأزهر الشريف وعلمائه الأجلاء في خدمة العلوم الشرعية والعربية والحفاظ على التراث وتجديده وحفظ الأوطان، ثم من دور أئمة الأزهر وشيوخه تحديدا.
ولمشايخ الأزهر أدوار من خلال المواقف الفردية، وأدوار من خلال الطرح الفكري والمعرفي والتجديدي، ومن خلال القرارات التي اتخذوها من مواقعهم، ومن خلال مشاركتهم العلمية في المؤتمرات واللقاءات والمقالات والدراسات المتنوعة، ومن خلال مواقفهم في الدفاع عن قضايا الأمة والمحافظة على هويتها وقيمها.
قال فضيلة الدكتور رمضان حسان عميد الكلية في البيان الافتتاحي: "إن هذا المؤتمرِ إلى إبْرَازِ هذهِ المَوَاقِفِ الخَالِدَةِ؛ لتكُونَ نبْرَاسًا وإشْعَاعًا للأمَّةِ فِي هذا الوقتِ الذي يَتَعَاوَنَ المأْجُورُونَ عَلَى طمْسِ معالمها"
جاء المؤتمر في أربَعَةِ محَاوِرَ هِيَ:
تناول المحور الأول: دورُ مَشَايِخِ الأَزْهَرِ الشَّرِيفِ فِي خِدْمَةِ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.
وتناول الثاني: دورُ مَشَايِخِ الأَزْهَرِ الشَّرِيفِ فِي خِدْمَةِ اللُّغَةِ العرَبِيَّةِ.
وتناول الثَّالث: دَوْرُ مَشَايِخِ الأَزْهَرِ الشَّرِيفِ فِي المُحَافَظَةِ عَلَى العقِيدَةِ الإسلَامِيَّةِ.
وتناول الرَّابِع: مشَايِخُ الأَزْهَرِ وَقَضَايَا المُسْلِمِينَ المختلفة.
وشارك في المؤتمر علماء من مصر وخارجها، وتَنَاوَلَت أَبْحَاث المؤْتَمَرِ جُهُودَ 15 شَيْخًا مِنْهم،
وتناولت أبحاث المؤتمر جهود 15 شيخا، من مجموع 44 شيخا تولوا المنصب، كجهود الشيخ عبد الحليم محمود، والشيخ جاد الحق، والشيخ الخضر حسين، والشيخ المراغي، والشيخ شلتوت، والشيخ سيد طنطاوي، وكانت النصيب الأكبر في الأبحاث مسلطًا على جهود فضيلة الدكتور أحمد الطيب، بخلاف البحوث العامة التي تحدثت عن دور مشايخ الأزهر في قضايا التجديد والإصلاح والمرأة والقضية الفلسطينية، وحظي المؤتمر برعاية الأزهر الشريف وجامعته، وبحضور قادة وعلماء الأزهر والإفتاء والأوقاف وجامعة الأزهر.
أبحاث متعددة الرؤى تقدم بها المؤتمرون، وفي انتظار طباعتها، حتى يتيسر إلقاء الضوء على بعض منها، ولكن على سبيل المثال، جاءت عناوين مهمة، مثل:
-دور مشايخ الأزهر في الاجتهادات الفقهية المعاصر، د سيف الجابري.
-موقف الإمام المراغي من قضية الاجتهاد، د أميرة طه عبد العزيز.
-المنهج المقاصدي عند الشيخ شلتوت، د نهال عبد الجليل.
-الاتجاه النقدي في فكر الإمام عبد الحليم محمود، د علي محمود البطة.
-جهود مشايخ الأزهر في مواجهة العلمانية، الشيخ حسونة النواوي والشيخ عبد الحليم نموذجا، د ناصر عبد الملك.
-فكر الإمام أحمد الطيب بين منابع التكوين المعرفي ومواجهة التطرف الفكري، د صابر عبد الدايم.
-جهود مشايخ الأزهر في نقض الأفكار الهدَّامة الشيخ محمود شلتوت أنموذجًا، د حسن إبراهيم يحى الشطوري.
- الإمام أحمد الطيب ودوره التجديدي في التفسير "قضايا المرأة نموذجا"، د تامر أحمد خضر.
- دور مشايخ الأزهر في الحفاظ على التراث النبوي، د الحارث محمد مصطفى.
-جهود شيخ الأزهر الإمام عبد الحليم محمود في خدمة السنة النبوية، د راندا مصطفى عبد الفتاح.
-جهود ومواقف علمية مشرقة لمشايخ الأزهر الشريف في خدمة السنة النبوية، د أحمد محمد حسين، وغير ذلك من البحوث.
وخلص المؤتمر إلى عدد من التوصيات، منها:
- إبرازُ دورِ الأزهرِ الشريفِ في الحضارةِ الإسلامية، ودعوتِهِ إلى الإصلاحِ والتجديدِ في كلِ العصورِ.
- التأكيدُ على دورِ شيوخِ الأزهرِ وعلمائِهِ في نشرِ الفكرِ الإصلاحِيِ، ومواجهةِ الأفكارِ المنحرفة، وإبرازُ دورِ الأزهرِ في نشرِ ثقافةِ السلامِ، وتبنِي منهجِ الحوارِ.
- إِبرازُ دورِ علماءِ الأزهرِ في الحفاظِ على التراثِ وتنقيحِهِ وتقريبِهِ حتى يسهلَ فهمُهُ واستيعابُه.
- تأكيدُ هُوِّيَةِ الأزهرِ الشريفِ الوطنيةِ التي تَحِلَّى بِها مَشايخُهُ وعلماؤهُ عبرَ العصورِ، والتركيزُ على غرسِ هذا المعنَى في عقولِ أبنائِه.
-إبرازِ جهودِ شيوخِ الأزهرِ السابقينَ العلميةِ والعمليةِ، ونشرِ مؤلفاتِهِمْ وتحقيقاتِهِمْ، إحياءً لدورِ الأزهرِ ورجالِه.
-أهميةُ جمعِ تراثِ مشايخِ الأزهرِ المتنوعِ، لا سيما في مجال نبذ التطرف الديني وغير الديني، وقد ثمّن المؤتر في هذا المقامِ دورَ مجمع البحوثِ الإسلاميةِ ومجلةِ الأزهر.
أهم الملاحظات:
هذا هو المؤتمر، وهذا هي موضوعاته، وأبحاثه القيمة، ليرجع للأزهر مكانته، بعد حالة الاستقطاب والتعبئة التي أرادت القضاء على مرجعية الأزهر الشريف، منبع الإسلام السني، وجاء المؤتمر ليؤكد على دور الأزهر في أزمنة تهديد المرجعية، وكان المؤتمر واضحا في إرسال رسالته المحورية للمجتمع كله، هذه الرسالة التي خلاصتها: الأزهر الشريف هو المنهج الصادق والأمين والمعتبر للحفاظ على الدين واللغة والتراث والوطن، وقد أحس المؤتمرون بنداءات المجتمع، من أهمية إعلاء دور الأزهر ومشايخه، للوقوف ضد ما من شأنه أن يخلق نزعات عقائدية دينية، وما من شأنه نشر الفوضى والتحريض على مؤسسات الدولة، مع تنوع وجوه القلق والمخاوف والهواجس مع انتشار روح العداوة التي غذَّاها تيار الإسلام السياسي من ناحية، وظهور دعاوى من غلاة العلمانيين من ناحية أخرى، ليكون الأزهر هو العاصم للمجتمع المصري والأمة كلها، وسفينة النجاة وسط عواصف التغيير القلقة.
ثم تتبقى ملاحظات:
1-قضية الهوية الأزهرية أو المختار في المنهج الأزهري -أصولا وفروعا- قضية لم تأخذ حقها في البحوث المقدمة بالصورة التي تجليها، وأعني بذلك الأركان الثلاثة للمنهج الأزهري: الأشعرية اعتقادا، المذهبية فقهًا، التصوف أخلاقا.
2- لم تقم الأبحاث بتجلية موقف الأزهر من جماعة الإخوان المسلمين، أكبر حركات الإسلام السياسي، وهذه نقطة محورية، إذ كان لمشايخ الأزهر دور كبير في رفض هذه الجماعة، فالإمام الأكبر حسن مأمون له بيان خاص بجماعة الإخوان، والإمام محمد مصطفى المراغي، أول من طالب بحل جماعة الإخوان، وذلك عام 1945، ونشرت مجلة (الإخوان المسلمين الأسبوعية) خبر مطالبة الشيخ المراغي بحلّ الإخوان، تحت عنوان: أربع محاولات لحلّ جماعة الإخوان (انظر: مجلة الإخوان، الأحد، 8 جمادى الآخرة، 1367هـ، 17 أبريل 1948م، السنة السادسة، العدد 195، ص10)، والإمام جاد الحق له كلام الجماعة الإخوان، ذكره في كتاب (بيان للناس).
3-لابد من وجود لجنة تتابع تنفيذ التوصيات أو بعضها، والجهات المنوط بها التنفيذ، وعمل مختصر للأبحاث يوزع على طلاب الكلية، وتقام حوله مسابقات وفاعليات، حتى لا يكون المؤتمر ونتائجُه مقصورا على المؤتمِرين.
خالص التحية لجامعة الأزهر، ولعميد الكلية وللمشاركين، وللجنود المجهولة التي تضطلع بدور كبير في مثل هذه المؤتمرات.