فضفضة عن «مصر» في شهر مضان

بلال الدوي

بلال الدوي

كاتب صحفي

البداية، ننتظر دار الإفتاء لِتُعلن عن رؤية «هلال رمضان»، نبدأ فى تقديم التهانى لبعضنا البعض بقدوم «شهر رمضان»، تَعُم الخيرات والبركات، الابتسامة مرسومة على وجوهنا، نُقرر أن نتسامح مع بعضنا، أصوات القرآن والتواشيح تتعالى فى المساجد، الأطفال والشباب فى الشوارع مُشغولون بتجميع مبالغ قليلة من بعض المنازل لكى يشتروا «زينة رمضان»، بعضهم يأتى بـ«سلّم خشبى طويل» وبعضهم يأتى مُسرعا ومعه «فانوس رمضان الخشبى» من الحجم الكبير وبعضهم يشترى أنواعاً مُلونة من «زينة رمضان»، عدد كبير من السيدات والفتيات وكبار السن يقفون فى البلكونات ليشاهدوا ما يحدث فى الشوارع -باهتمام شديد- ويُتابعوا الشباب والأطفال الذين يُعلقون «زينة رمضان» فى الشوارع.

خلال ساعة أو ساعتين على الأكثر تُصبح الشوارع مُمتلئة بـ«زينة رمضان» ويتم تركيب فانوس رمضان الخشبى -كبير الحجم- فى مُنتصف الشارع، وخلال دقائق تتم إضاءته بأنوار البهجة.. فـ«أهلاً رمضان».

ويأتى إلى أسماعنا وآذاننا صوت المطرب الرائع عبدالعزيز محمود وهو يُغنى قائلاً: «مَرحب شهر الصوم مَرحب، لياليك عادت فى أمان، بعد انتظارنا وشوقنا إليك جيت يا رمضان، مَرحب بقدومك يا رمضان ونعيش ونصومك يا رمضان، بعد انتظارنا وشوقنا إليك جيت يا رمضان».

حركة كبيرة فى جميع الشوارع، فالكُل يذهب لشراء مُستلزمات السحور، زحام شديد فى الشوارع، إضاءة غير طبيعية فى الشوارع، التهانى بقدوم شهر رمضان فى كل مكان، تُقابل جارك تُهنئه بقدوم شهر رمضان، تتلقى مكالمات التهنئة بقدوم شهر رمضان من أساتذتك وزملائك وأصدقائك وجيرانك وعائلتك، رسائل «الواتس أب» تنهال على تليفونك مصحوبة بصور ومُلصقات التهانى بقدوم شهر رمضان.

حالة جميلة تعم أرجاء «مصر» وناسها وشوارعها ومساجدها، المساجد تبدأ فى استقبال رمضان بصلاة التراويح.. ساعات قليلة ويعود الهدوء للشوارع، لكن الحركة ما زالت فى كل البيوت، والاستعداد للسحور مع أصوات التواشيح المُحببة لنا جميعاً، ننتظر صلاة الفجر بفارغ الصبر لكى نُصليها جماعة ونحن فى حالة انتشاء وشغف شديدين.وطوال أيام وليالى شهر رمضان المعظَّم لا تخلو أيادينا من السبحة، الاستغفار والأذكار والحمد والشكر لله على ما أنعم به علينا من صحة وستر وراحة البال وأمن واستقرار وطننا «مصر» الحبيبة، نصلى على النبى -صلى الله عليه وسلم- دائماً، نعيش أجواء الانتصار ونحن نحتفل بـ«نصر أكتوبر ١٩٧٣» فى العاشر من رمضان، نتفاخر بأننا من نَسل الأبطال الذين أعادوا الأرض وأعادوا الكرامة وصانوا العهد وحافظوا على الوطن، نتباهى -دائماً- بأن لدينا جيشاً عظيماً حقق النصر وأعطى درساً للمُحتل الذى كان يقول عن نفسه أنه «الجيش الذى لا يُقهر»، لا ننسى شهداء الوطن الذين تفانوا من أجل أن تنتصر «مصر» وتعود أرضها وتُرفع رايتها وتتحول النكسة والانكسار إلى فرحة وانتصار وتتحول الأوجاع والآلام إلى أمال وطموحات.

نحن المصريين تعودنا على مثل هذه الأشياء فى شهر رمضان، تربينا على أن شهر رمضان هو شهر الصوم والصلاة والعبادة والتآلف والمحبة والسماحة والتقرُّب إلى الله عز وجل، وعاهدنا شهر رمضان على أنه (شهر النصر) الذى نحتفل فيه برجالنا فى القوات المسلحة، نحفظ -عن ظهر قلب- أسماء قيادات الجيش الذين قادوا حرب أكتوبر، نعرف أسماء الشهداء العظام ونُقدِّرهم أحسن تقدير ولهم منا كل الحب وندعو لهم بالرحمة فى كل صلواتنا.نحن المصريين لا نترك أى محتاج، نقف بجواره، «التكافل» مُقدس بيننا، لذلك نُكثر من الصدقات والزكاة والإعانات والمساعدات، فنحن شعب طيب يحب بعضه بعضاً، يكفى فقط أن نرى كمية كبيرة من أعداد موائد الرحمن تنتشر فى الشوارع لنقول: نحن المصريين إخوة ونتقاسم لقمة العيش معاً.. وقبل أذان المغرب -كل يوم وفى كل الشوارع- يقف الشباب ومعه التمر والعصير ويوزعونه على المارة بكل حب.. نحن المصريين اعتدنا على العطاء -لشعبنا ولوطننا- وهذا موروث فى كُرات دمائنا.