مكانة ينبغي تفعيلها لصالح مصر والأزهر
فى مغامرة مليئة بالمخاطر، قطع الطالب «مامادو سافايو بارى» مسافة أربعة آلاف كيلومتر من غرب أفريقيا إلى أقصى الشمال على متن دراجته، غير مبالٍ بخطر الاعتقال أو الحرارة أو البرودة، من أجل الالتحاق بجامعة الأزهر التى يحلم بالالتحاق بها، وهى الرحلة التى اهتمت بها قناة (بى بى سى) على غير المعتاد، وبدأ الطالب البالغ من العمر 24 عاماً رحلته من غينيا، قاصداً جامعة الأزهر، عبر دول تتكرر فيها هجمات الإرهابيين، وتسود فيها الاضطرابات السياسية والأمنية، كما فى مالى، وبوركينا فاسو، وتوجو، وبنين، والنيجر، وتشاد.
الطالب أكد أن سمعة الجامعة وصيتها دفعاه لخوض تلك الرحلة الشاقة، وفى جامعة الأزهر قابلته عميدة كلية العلوم الإسلامية للوافدين الدكتورة نهلة الصعيدى، وقررت قبوله بالكلية بمنحة مجانية.
ما حدث يعيدنا إلى أهمية دور الأزهر فى أفريقيا، ومدى اضطلاعه بهذا الدور الذى أصبح ملحاً وضرورياً، فطوال تاريخ الأزهر وهو يتداعى إليه الشيوخ والدارسون والطلاب من الصين والهند ومجاهل الصحارى الأفريقية، وعمائر المدن الحضارية، وأحراش الغابات، ومحاضر شنقيط، وأربطة حضر موت، ومسايد السودان، ومدارس الأتراك، فلا ينبلج فجر جديد فى الأزهر إلا وقد ضُج بطنين أصوات ألوف من نوابغ الطلبة شرقاً وغرباً.
يقول صاحب (الجمهرة الكبرى): «حتى ظهر فى تاريخ الأزهر أمر عجيب، وهو الرحيل إليه سيراً على الأقدام من الأصقاع البعيدة، والأقطار النائية، فقال الشيخ عبدالله المشد فى (تقرير عن أحوال المسلمين فى بلاد الصومال وإريتريا وعدن والحبشة نشر سنة 1951م): «ومن أبناء إريتريا مَن كانوا يُؤثرون الهجرة إلى مصر لتلقى العلم بالأزهر سيراً على الأقدام»، وقال الشيخ عبدالرحمن النجار فى كتابه: (رحلة دينية إلى أفريقيا): «وأعرف بعضاً من طلاب العلم فى الصومال، حضر إلى مصر مشياً على قدميه، وهدفه أن يلحق بالأزهر الشريف».
ومن أمثلة أولئك الذين جاءوا مصر مشياً على الأقدام من أجل الالتحاق بالأزهر الشريف: الشيخ بن مزور محمد بن نصر، جاء من الجزائر، والأديب الرحالة يرو دورو جاللو، رحل بداية الستينات من السنغال إلى الأزهر، ومن هؤلاء الرئيس الجزائرى هوارى بومدين، بل رحل الدراسون إلى معاهد أزهرية فرعية تابعة للأزهر، مثل معهد بلصفورة الأزهرى فى سوهاج».
والشخص فى هذه الرحلة يتعرض للحر والبرد، والرى والظمأ، والأمل واليأس، والمرض والصحة، ويضل الطريق ويهتدى، ويلقى الوحدة والوحشة من العمران والبشر، ومخاطر الطريق، فالطالب مامادو بارى قال: إن الناس كانوا ينظرون إليه فى مالى وبوركينا فاسو نظرة سلبية، وتعرض للقبض عليه فى بوركينا فاسو وتوجو، وعندما وصل إلى تشاد، أجرى أحد الصحفيين حواراً معه، نشره على الإنترنت، ما دفع بعض أهل الخير إلى تمويل رحلته إلى مصر عبر الطائرة، ما جنّبه التوجه بدراجته إلى السودان ومنها إلى مصر.
وصفوة القول: إن الأزهر أهدى إلى كل دولة من الدول -لا سيما الأفريقية- عقلاً متألقاً، وشخصية مرموقة، كان حائط صد لبلده ضد الانقسامات والاضطرابات وزعزعة البلاد، كما أن البعثات الأزهرية التى يرسلها الأزهر إلى بلاد أفريقيا هى بمثابة جزء من الأداء الدبلوماسى خارج أرض الوطن، وهو أمر فى حاجة إلى البناء عليه، والعمل على إعادة هذه المكانة، وهذا التمثيل، فى هذه الفترة الحساسة التى تكثر فيها الاضطرابات، والتى تحاول فيها العديد من الدول وضع قدم لها فى أفريقيا، لاتخاذها للإساءة لمصر وتنفيذ مخططاتها، بل أتمنى من الإمام الأكبر زيارة الدول الأفريقية، ممثلاً أميناً للدولة المصرية، وبناء علاقات حميمة مع هذه الدول، مستغلاً تقديرها وتعظيمها للأزهر ولمصر، بما يحقق المصلحة لمصر وللأزهر الشريف وللدول الأفريقية من خلال الأزهر الشريف، أعظم القوى الناعمة القادرة على التحرك فى أفريقيا فى هذا الوقت تحديداً.