الطريق إلى رفح!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

تحتاج الذاكرة الشعبية إلى إنعاشها باستمرار بينما تحتاج الذاكرة الوطنية دائماً إلى تدوين.. ذلك لحجم العبث الذى يجرى فى حقائق يعرفها الجميع وشاهدها وشهد عليها الكثيرون.. لكن التزييف مع التشويش يتطلبان العمل على تشويه مواقف عديدة بدلاً من الفخر بها.. وهذه هى اللعبة الدائمة لإعلام الشر.. ومواقف مصر مع القضية الفلسطينية أوضح من الوضوح ولم تبدأ -طبعاً- منذ ٧ أكتوبر إنما قبل ذلك بعقود طويلة.. حتى ترى دوائر مصرية أنها فى الأصل قضية مصرية وأن الأشقاء هناك ليسوا إلا خط دفاع متقدماً!

ولكن منذ السابع من أكتوبر تحديداً انبرت مصر تدافع قدر استطاعتها عن الأبرياء فى غزة، وحيث ظلت لأشهر طويلة تحاول حماية الأبرياء فى الضفة الغربية ممن يتعرضون لكافة أشكال العنف والقمع بلغت حدود القتل العلنى وبلغت حدود اقتحام المسجد الأقصى، إهانة وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية، وبلغت حد مصادرة الممتلكات وحرق البيوت وتفجيرها واقتلاع الزرع وحرقه وطرد السكان من منازلهم وتفريغ أحياء كاملة من سكانها ومصادرة أراضٍ بغير حق وتحويلها إلى مستوطنات لفرض الأمر الواقع على الأرض واستمرار الاحتلال فى التوسع على حساب الأرض المحتلة بما يؤكد سوء النية وعدم الرغبة الحقيقية فى السلام مع العرب أو الفلسطينيين!

أثناء كل ذلك كانت مصر تدعم إخوتها وتدين وتفضح السلوك الصهيونى الإجرامى حتى حدث ما حدث فى غزة، وانتقل الحدث فى ثقله إلى هناك ولم تنفعل مصر كما فعل غيرها ضد الأشقاء بل رجعت إلى أصل المشكلة وأن هناك احتلالاً لشعب يتطلع ومن حقه أن يتطلع إلى الحرية ككل شعوب العالم ممن نالوا استقلالهم دون شعبنا الفلسطينى الذى بقيت قضيته دون حل. بقى تحت الاحتلال.. هذه الجذور وهذه الأسباب الأصلية فضلاً عن الجرائم المستمرة فى الضفة الغربية هو ما راحت مصر تذكر العالم به وطرحت مبدأ أن أى حل لما يجرى يجب أن يبدأ من أصل المشكلة، وبالتالى منح الشعب الفلسطينى حقه فى بناء دولته على أرضه أو ما تبقى منها والعيش فى سلام وحياة طبيعية بدولة قابلة للحياة تضم العملة الخاصة بها ولها ميناء ومطار وتمثيل دبلوماسى وحدود ثابتة ومناهج تعليمية خاصة.

استمر العدوان ومنع العدو الغذاء والماء والدواء عن الأشقاء واندفع الشعب المصرى كله فى مشهد أسطورى جدير به شعبنا يتبرع بكل شىء.. من الدماء إلى ما يتقاسم به حتى بسطاء الحال مع أشقائهم طعامهم وشرابهم واصطفت الجمعيات الأهلية المصرية خلف الحكومة المصرية تحشد إلى هناك.. إلى رفح! وهناك.. شاهد العالم حشود الشاحنات المصرية أولها عند المعبر وآخرها بعيد جداً عن المكان وإصرار من شباب وسائقى مصر متطوعين لدعم الأشقاء وجاءت الدنيا كلها ترى عن قرب ما يحدث.. كل وكالات الأنباء وصحف العالم وفضائيات الدنيا كلها، وجاء أمين عام الأمم المتحدة وجاء رؤساء حكومات ووزراء من دول العالم ورؤساء منظمات دولية فرأى العالم الإجرام الصهيونى ورأوا أيضاً الموقف المصرى الداعم على الأرض، كما دعم بمؤتمر القاهرة للسلام وحضرت دول العالم إلى مصر لتقتنع أن لا حل إلا بمنح الفلسطينيين حقوقهم وإقامة دولتهم والا سيتكرر ما جرى فى ٧ أكتوبر ونكون كل عدة أشهر أمام مواجهات جديدة. إجرام إسرائيلى لا مثيل له فى التاريخ!

تلك كانت باختصار الصورة على الجانب المصرى من معبر رفح.. ولكن للصورة جانب آخر من هناك.. من الأرض المحتلة، ولذلك.. للحديث بقية.