قرض الصندوق.. بين الرسائل الإيجابية وغياب المشاركة الشعبية
أثارت مفاوضات صندوق النقد الدولى مع الحكومة المصرية مؤخراً الكثير من الجدل فى الأوساط الاقتصادية والسياسية على السواء. فبينما يؤيده الكثير من الاقتصاديين والسياسيين لضآلة الفائدة التى تبلغ 1.1% ونتائجه الإيجابية المتوقعة على الاقتصاد المصرى، يعارضه عدد آخر منهم بدافع الاستقلالية السياسية وتجارب الصندوق السيئة مع بعض الدول الأخرى.
وإذا نظرنا للقرض من منظور استراتيجى، سنجد أن هذا القرض يعطى مصر شهادتين:
الشهادة الأولى: ألا وهى شهادة سياسية، أن صندوق النقد الدولى - وهو الذراع التمويلية للدول الغربية - يرحب بالتغيرات السياسية التى حدثت فى مصر. ويعكس هذا أن الدول الغربية ولا سيما أمريكا - وهى الدول المتحكمة والموجهة للصندوق - فى حالة قبول ودعم لنتائج الانتخابات فى مصر وانتقال السلطة من المجلس العسكرى إلى تيار الإسلام السياسى. وعلى الرغم من أن هذا التحليل قد يكون له بعض المعانى السلبية على المستوى السياسى، فإن آثاره الاقتصادية إيجابية، حيث إن دعم الدول الغربية لانتقال السلطة يدل على توقعهم لاستقرار سياسى وبالتالى استقرار اقتصادى بشكل عام.
الشهادة الثانية: وهى شهادة اقتصادية، بأن صندوق النقد كجهة ممولة لديها ثقة فى قدرة الاقتصاد المصرى على استغلال القرض بشكل مناسب، بل والتعافى والنمو بما يضمن استرجاع القرض.
هاتان الشهادتان تبعثان برسائل قوية للأسواق المالية وتعبران عن مستقبل مصر الاقتصادى، وعلى الصعيد الآخر، قرار الحصول على هذا القرض الذى تبلغ قيمته 4.8 مليار يعكس انتهاج الحكومة لخيارات استراتيجية على المستويين السياسى والاقتصادى، حيث إنه من المفترض أن تكون هذه الخيارات ناتجة عن توجه عام يخرج من حوار وطنى بنّاء بين أطياف المجتمع المختلفة، وهذا هو حق أصيل انتزعه الشعب المصرى بقيام ثورة 25 يناير، أما فى حالة عدم حدوث هذا الحوار وعدم تصديق مجلس الشعب عليه - وهو الحال الآن - فإنه يتوقع أن تكون هناك معارضة شديدة قد تكون لها آثار سلبية بالغة.
وأخيراً، على الرغم من أن قرض صندوق النقد الدولى خلفه رسائل اقتصادية وسياسية إيجابية الطابع قد لا يدركها الكثير من عموم الشعب المصرى، فإن الطريقة المتبعة فى تناول القضية من قِبل الحكومة تعتمد على علاقة أحادية تغيب فيها المشاركة الشعبية، حيث إن عدم مناقشته فى مجلس الشعب يضيع استحقاقاً أكيداً للإرادة الشعبية ويزيد من حنق جموع المواطنين على القرار.