أمير شعراء العامية صلاح جاهين.. فيلسوف الرباعيات وشاعر البسطاء الجريء

أمير شعراء العامية صلاح جاهين.. فيلسوف الرباعيات وشاعر البسطاء الجريء
25 ديسمبر 1930 ليس مجرد تاريخ لذكرى ميلاد الشاعر صلاح جاهين، بل هو يوم ولادة تجربة شعرية فريدة غنّت لمصر والنيل والإنسان بلغة شعبية عذبة.
في هذا اليوم رأى جاهين النور ليمنحنا عطر شعره وعذوبة كلماته، مسيرة استثنائية امتدت لنحو خمسة عقود، أثرى خلالها المكتبة العربية بدواوينه الخالدة، ورسم ملامح شاعر شعبي بارز ارتبط اسمه بالهوية والتراث، بعد أن عاش من أجل قضايا الوطن والأمة العربية، وبذل موهبته وفنه في سبيل التعبير عن آمال البسطاء وآلامهم، فغدا صوتهم الصادق وضميرهم الناطق.
وإن ذُكر الشعر العامي، وقف نقاد الأدب والمفكرون احتراماً لـ«جاهين»، يشيدون بتجربته، مؤكدين أنه شكَّل منعطفاً مهماً في مسار الشعر العربي الحديث، إذ استطاع ببراعة واقتدار أن يُدخل رؤى جديدة وأساليب متميزة إلى شعر العامية المصرية، مستلهماً التراث الشعبي بعمق وإبداع، ويتميز عن أقرانه بجرأته في استكشاف بساطة التعبير وقربه من الناس.
وأثنى الناقد الأدبي الدكتور رضا عطية، على موهبة جاهين في توظيف الرمز وبناء القصيدة المكثفة، موضحاً أنه قدَّم تجربة شعرية متميزة، أسهمت في تطوير شعر العامية بعد الأب المُؤسس الشاعر بيرم التونسي، إذ شارك في صياغة مرحلة جديدة من شعر العامية أكسبته مزيداً من العمق والتطور.
تميز شعر جاهين بعدة ملامح، عدّدها «عطية»، ومنها: القدرة على تكثيف المعاني مع جمالية صياغتها دون تكلّف، فضلاً عن حُسن اختياره للقوافي والبحور الشعرية، خاصة في قصائد المُربعات التي تتسم بالإيجاز وسهولة الحفظ، بالإضافة إلى كتابة الأوبريتات والمسرح الشعري بالعامية، مستلهماً التراث الشعبي المصري ومُعيداً إنتاجه في مسرحياته.
وتنوعت موضوعات جاهين ما بين الوطنية والقومية والاعتزاز بالهوية المصرية، حسب الناقد الأدبي، بالإضافة إلى اهتمامه بالإنسان ومشاعره ووجوده، كما اتخذ أسلوب شعر الحكمة مخاطباً الأجيال الشابة، مشيراً إلى أنه ابتكر أساليب وصوراً وتراكيب شعرية جديدة، وتأثر فكره بثورة يوليو ومرحلة ما بعدها، موجهاً شعره نحو التأكيد على الخصوصية المصرية والكرامة الإنسانية، فأضاف تجربة شعرية نوعية للشعر العربي الحديث.
وعن أكثر المؤثرات الأدبية والفكرية التي تركت بصمتها على تجربة جاهين، قال الناقد الأدبي محمد السيد إسماعيل، إنه ترك بصمة فريدة في تاريخنا الأدبي، فهو شاعر الإنسان والوطن بامتياز، رسم بريشته الشعرية لوحات خالدة عن مصر الأمل والألم، وعبر عن أهم القضايا والأفكار، ووظف التراث بشكل إبداعي وجمع بين المحلية والكونية، بالإضافة إلى أسلوبه الرشيق غير المتكلف وقدرته على تكثيف المعانى في قالب شعري موسيقي متماسك، فضلاً عن الرباعيات التي جمعت بين الفلسفة ورؤية الإنسان للحالة التي كان عليها وهي الاكتئاب.
ويضيف الناقد الدكتور حسين حمودة، أن صلاح جاهين كان رائداً في إعادة اكتشاف البساطة في الشعر، إذ استطاع أن يخاطب الجمهور مباشرة بلغة يفهمها الجميع، دون أن يفقد عمق المعنى أو جمال الأسلوب، واستطاع أن يصوغ فلسفته من خلال تفاصيل الحياة اليومية، حتى الأشياء البسيطة التي قد لا ينتبه إليها الآخرون.