المصريون بالخارج.. فشل نظرية «البقرة الحلوب»
نقترب من اليوم العالمى للمهاجرين، الذى يحل يوم 18 ديسمبر فى كل عام، فنتذكر المصريين بالخارج، الذين بلغ عددهم، بحسب آخر تصريح لوزيرة الهجرة المصرية، 14 مليون مصرى، ما يقارب من عُشر سكان مصر، ونسبة كبيرة من مصر إذا حذفنا كبار السن والأطفال.
المصريون بالخارج هم من أكبر القوى المصرية الناعمة، هم قوة علمية وأدبية واقتصادية وإنسانية، هم مصدر فخر لمصر فى العالم كله، هم رسل العلم والعمل لمصر فى معظم دول العالم، فلا يكاد يخلو بلد فى العالم من مصريين سواء علماء أو مدرسون أو دعاة للدين، أو تجار ناجحون أو أطباء مشهود لهم بالكفاءة، ومهندسون أو شركات مقاولات ذات سمعة طيبة.
أكبر جالية مصرية بالخارج موجودة فى السعودية، وبعدها الإمارات، أما أوروبا ففيها قرابة المليون و400 ألف، وأكبر عدد فى أوروبا موجود فى إيطاليا، أما أمريكا ففيها 1٫8 مليون مصرى، وفى كاليفورنيا وحدها 700 ألف مصرى.
بعضهم تخرَّج فى أرقى الجامعات العالمية مثل هارفارد، كامبردج، لندن، على سبيل المثال لا الحصر.
هناك قرابة ربع الأطباء المصريين حاصلون على الزمالة البريطانية أو الأمريكية، وعدد الأطباء المصريين الحاصلين على الزمالة الذين يعملون فى بريطانيا جاوز 7 آلاف طبيب مصرى، وهناك أضعافهم فى مصر ودول أخرى حاصلون على الزمالة الطبية، وكلهم كفاءات مرموقة.
علماء مصر العظام خارج مصر هم أيقونة مصرية بالخارج مثل السير مجدى يعقوب، وصاحب نوبل العلامة د. أحمد زويل، والعلامة د. فاروق الباز، أحد كبار علماء الفضاء العظام.
أما الدور الاقتصادى للمصريين فى الخارج فهو من أهم أدوارهم لخدمة مصر؛ فهم من أهم مصادر العملة الصعبة، فتحويلاتهم وصلت إلى 31 مليار دولار عام 2021، وهم جزء أساسى فى عملية التنمية المصرية، خاصة الاقتصادية منها.
ورغم ذلك لا ينبغى للدولة المصرية أن تعاملهم معاملة «البقرة الحلوب»، فهذه نظرية فاشلة لأن ذلك يؤدى لعكس المطلوب، ولذلك كانت هناك حالة استهجان واسعة لتصريح أحد البرلمانيين المصريين التى دعا فيها إلى إلزام المصريين بالخارج بتحويل نصف رواتبهم شهرياً بالعملة الصعبة للداخل، لحل أزمة النقد الأجنبى لمصر، أو دعوة البعض لفرض ضريبة مصرية عليهم، وهذا مخالف للدستور والقانون الذى يمنع ازدواج الضريبة، فهو يؤدى ضريبة فى غربته ولا يمكن أن يؤدى على وعاء واحد ضريبتين.
والحقيقة أن مصر لم تهتم بالمصريين بالخارج إلا منذ الثمانينات، وقد أدى ذلك لعودة بعضهم، ما سرَّع من عملية النماء الصناعى والتجارى والاقتصادى المصرى، وظهور قطاع خاص قوى فى مصر، خاصة مع حلحلة القواعد الاشتراكية الصارمة التى سادت فى عهد الرئيس ناصر وكانت تخوف المستثمرين من الاستثمار فى مصر.
أول اهتمام مصرى حقيقى بالمصريين بالخارج كان بتدشين وزارة الهجرة، وبعدها الإجراءات الحديثة لإدخال سياراتهم لمصر وترخيصها دون رسوم أو جمارك ثم دفع خمسة آلاف دولار أو يورو بعدها مقابل هذه الخدمة، وقد أدخل ذلك للخزينة المصرية قرابة المليار دولار، ولو تم تطويرها وتحسينها لأدخلت أكثر من ذلك، أما الأمر الثانى فهو محاولة تخفيض الرسوم القنصلية.
ينبغى على الحكومة المصرية ألا تنظر إليهم نظرة «البقرة الحلوب»، بل عليها أن تتأمل مشاكلهم وتحلها وتيسر حياتهم وترتب حياتهم، وتجعل لهم مكانة و«لوبى» فى مجتمعاتهم تفيد قضايا مصر الكبرى.
وعلى الحكومة أن تنسى فكرة تحصيل أعلى نسب من الضرائب والرسوم منهم لأن ذلك ضار لا ينفع.
وعليها أن تدرس استخراج الجوازات لهم فى بلادهم، وكذلك تصاريح العمل بدلاً من ضرورة العودة لمصر لاستخراجها وتجديدها.
وعليها أن تتعلم من تجربة الفلبين والهند مع مهاجريهما فى الخليج وغيره.