وزير الثقافة الأسبق: طه حسين أول من دعا إلى التصنيع العسكري وبناء جيش وطني قوي

وزير الثقافة الأسبق: طه حسين أول من دعا إلى التصنيع العسكري وبناء جيش وطني قوي
قال الكاتب حلمى النمنم، وزير الثقافة الأسبق، إنّ الدكتور طه حسين أحد بناة الثقافة المصرية والعربية، وأحد المؤسسين الكبار للرواية العربية الحديثة، مشيراً إلى جانب آخر من نضال «العميد» فى القضايا الاجتماعية والوطنية، ومن أبرزها تطرُّق كتابته إلى مجانية التعليم والعدالة الاجتماعية.
كيف تقدم طه حسين للأجيال الجديدة فى كلمات؟
- طه حسين أحد المؤسسين والبناة العظام للثقافة المصرية والعربية الحديثة، فهو ليس فقط مجرد مثقف وكاتب كبير، إنما مؤسس قدّم إضافة، سواء فى النقد الأدبى أو الرؤية الفلسفية والفكرية وربط القضايا الثقافية بالقضايا الوطنية بشكل مباشر مع قضايا التقدم، كما كانت عينه على المستقبل، وكان أحد المؤسسين الكبار للرواية العربية الحديثة، فمثلاً رواية «شجرة البؤس» سبقت ثلاثية نجيب محفوظ وهى رواية أجيال، وروايته «دعاء الكروان»، ومجموعته القصصية «المعذبون فى الأرض» جميعها يجعلنا نحتفى بالدكتور طه حسين وإرثه الثقافى إلى جانب مواقفه السياسية والوطنية، منذ ثورة 1919 وما قبلها حتى وفاته، وهى مواقف وطنية صميمة.
ما أبرز القضايا التى ناضل من أجلها؟
- رغم مرور 50 سنة على وفاته، ما زلنا نناضل من أجل القضايا التى كان يناضل فى سبيلها، إذ كان يناضل من أجل العدالة الاجتماعية، ونحن إلى اليوم نناضل من أجلها، وكان أيضاً يناضل من أجل مجانية التعليم وبناء الجامعات، كما كان يناضل فى سبيل أن تنفتح مصر على العالم، وأن تكون جزءاً من ثقافة البحر المتوسط كما هى جزء من العالم العربى، وهو ما لا يتعارض مع ارتباطنا بالعالم العربى والعالم الإسلامى، وهو ما نسعى إليه مؤخراً، وإذا ما نظرنا فيما يحدث داخل غزة، فقد كان ينادى فى الأربعينات، ومع تأسيس الجامعة العربية، إلى أن تقييم مصداقية هذه الجامعة وقوتها مرتبط بما تحققه من نجاح للقضية الفلسطينية.
هل تعتبر أن طه حسين كمثقف أول من تصدى لتلك القضايا؟
- النضال الاجتماعى فى العصر الحديث بدأ فى جيلين، جيل الشيخ حسن العطار ورفاعة الطهطاوى، ثم جيل على مبارك، وهما فترتا حكم محمد على والخديوى إسماعيل، والفارق بين الجيلين السابقين لطه لحسين أن هذه القضايا كانت فى إطار النخبة فقط، فى حين نزلت القضايا فى جيل طه حسين إلى الشارع، بفضل الصحافة.
قضية كتابه «فى الشعر الجاهلى» لم تُحسم بعد؟
- الفكرة الجوهرية فى كتابه «فى الشعر الجاهلى» تثبت صحتها يوماً بعد يوم، فقد كان رأيه أنه لكى ندرس تاريخ العرب قبل الإسلام علينا أن نعرفه من القرآن وليس من الشعر الجاهلى، لأن هذا الشعر فيه نسبة كبيرة منتحلة، وهو ما ثبتت صحته، وهذا الصراع الفكرى لم يُحسم إلى الآن فى مجتمعنا، والقضايا الثقافية الكبرى التى ناضل من أجلها الأجداد والآباء لم تُحسم إلى اليوم، كما أن الصراع الاجتماعى فى كثير من القضايا لم يُحسم لصالح أى طرف.
وما سبب الهجوم الضارى عليه؟
- هوجم طه حسين بضراوة بدوافع سياسية كان يقف وراءها حزب الوفد وسعد زغلول، لأن طه حسين كان أقرب إلى «الأحرار الدستوريين»، كما هوجم من بعض المناصرين للسرايا، ولأسباب شخصية أيضاً، وليس دفاعاً عن الإسلام كما كان يُروَّج، والدليل أن أحد شيوخ الأزهر فى سنة 1929 انتقد القرآن، ومع ذلك لم يلقَ ما لقيه طه حسين من حملة شرسة، أى إن المقصود هو طه حسين شخصياً.
وما رأيك فى الأقاويل التى ذُكرت فى حقه عن الإسلام أو زيارته للجامعة العبرية؟
- لم يحدث ولم يقم بزيارة الجامعة العبرية فى فلسطين، فهو لم يكن مدير الجامعة المصرية، والدعوة وُجهت إلى مدير الجامعة وهو لم يكن فى يوم من الأيام مديراً لها، وهى واحدة من الأكاذيب التى ترددت حوله، وبعض اليسار هاجموه باعتباره برجوازياً بسبب زواجه من فرنسية، وجزء من الهجوم على طه حسين كان حقداً وغيرة شخصية، إذ كيف له وهو شاب فقير ضرير يأتى من الصعيد ويحصل على 2 دكتوراه، واحدة منهما من الجامعة المصرية، ثم يسافر إلى فرنسا، ويتزوج فرنسية، ما كان مثاراً لغيرة وحقد خصومه، لدرجة أن أحدهم كتب مقالاً عنه أنه ليس أعمى بل بإمكانه ركوب الترام والجرى فى الشارع، وإنما يدّعى العمى لاستدرار تعاطف الناس، ومصطفى صادق الرافعى من الذين هاجموا كتاب «فى الشعر الجاهلى» وألف عنه كتاباً دون أن يقرأه، كما تم تصدير صورة عنه أنه ضد الإسلام لأنه لم يكن يحب حسن البنا، وعندما طرح فكرة أن مصر جزء من حضارة البحر المتوسط فسرها الإسلاميون بأنها دعوة ضد الإسلام.
حلمى النمنم: رُشح لـ«نوبل» عام 1949 وحُجبت عنه الجائزة بسبب دخول مصر حرب 48 ضد إسرائيل
وما حقيقة فوزه بجائزة نوبل؟
- كان بصدد الحصول على جائزة نوبل فى 1949 بالفعل، حيث رُشح للجائزة وكان هو الفائز بها، وحُجبت الجائزة بسبب انخراط مصر فى حرب 48 ضد إسرائيل، ورأت الجائزة أنها لو أعلنت فوزه فهى تكرّم مصر البلد الذى أعلن الحرب على إسرائيل، كما رُشح أكثر من مرة للجائزة، وأظن أن الموقف السياسى كان وراء عدم فوزه بها.
كيف تتم دراسة مشروعه الثقافى والفكرى؟
- نقدياً دُرس طه حسين جيداً، ولكن كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» لم تتم دراسته بشكل وافٍ، خاصة الفصول الأولى منه، وهى الفصول التى تقدم نظريته فى بناء الدولة الحديثة وهوية الدولة المصرية، والنظام السياسى والاجتماعى، وتقدم رؤية عن كيفية النهوض بالبلد وبناء دولة مدنية حديثة تضاهى بريطانيا وفرنسا فى ذلك الوقت، وكان أول من دعا إلى التصنيع العسكرى فى مصر لبناء جيش وطنى حديث وقوى على غرار الجيوش الأوروبية يكون قادراً على حماية منطقة القناة.
ما أهمية هذه المقالات؟
- أهميتها أنها تتيح فكره للقارئ كاملاً، وهى المقالات التى تحمل مواقفه فى قضايا كثيرة مهمة، ومن المهم استكمال هذا المشروع، فمثلاً يُنسب إليه أنه لم يكتب عن فلسطين ولا عن الجزائر خلال الاحتلال بسبب زواجه من فرنسية، وذلك محض افتراء، حيث كتب مجموعة كبيرة من المقالات عن الجزائر وفلسطين موجودة فى بطون الصحف.
مشروع الإسلاميات
كان لديه مشروع فكرى حول الفتنة الكبرى، ليُصدر فيها أربعة أجزاء أخرى، حيث كتب «الشيخان» عن أبى بكر وعمر بن الخطاب، ثم كتاب «الفتنة الكبرى» الجزء الأول عن عثمان بن عفان، والجزء الثانى «على وبنوه»، وكان يريد أن يستمر فى هذه القضية إلى التاريخ الأموى والتاريخ العباسى، لكنه توفى قبل أن يستكمل المشروع.