دعوات مريض

أجمل ما يقدمه المريض لطبيبه هو الدعاء له، وأكثر المرضى الذين يدعون للطبيب هم من كبار السن، ومن النساء خاصة، ويكون ذلك إذا أكرمت كبار السن بطريقة أو بأخرى.

ومنها دعوات جميلة ورائعة فأحدهم كان يدعو لى «ربنا يهديلك نفسك»، «ربنا يهديلك صنعتك».

وفى مواسم الحج والعمرة يدعون لك «ربنا يرزقك زيارة الكعبة»، «ربنا يرزقك زيارة الرسول»، وبعد عودة المريض من حج أو عمرة يدعو لك «ربنا ينولها لك» أى تنالها.

والطريف أن سيدة عجوزاً صعيدية أخذت تدعو لى «ربنا يخليلك عويلاتك» أى عيالك وأخرى «ربنا يستر بناتك»، وأخرى تسألنى: ما اسم أمك؟ فأقول فلانة فتقول: يا ناجح يا ابن فلانة ربنا يسترك.

وآخر كان يدعو لى ويقول: ربنا يقيك شر من لا تطيق شره، وأخرى تدعو «ربنا يحبب فيك خلقه»، أو «ربنا يسترك زى ما سترتنى، ربنا لا يرفع عنك ستره».

أطباء الجراحة والعظام والقلب هم أكبر شريحة من الأطباء يحظون بدعوات كثيرة من المرضى، لأن المريض عادة يكون على حافة الهلاك والضياع ثم يشفيه الله على أيدى الطبيب فى عدة أيام.

ولكن كل التخصصات الأخرى تنال قسطاً من الدعوات بسبب تعامل الطبيب مع كبار السن، وهؤلاء دموعهم قريبة جداً تسيل تأثراً بأى معاملة كريمة تقدمها لهم حتى لو كانت شيئاً بسيطاً، تسنده فى مشيته أو تودعه عند الباب، أو تمنحه بعض الأدوية أو ترد له الأجر كله أو جزءاً منه أو تلاطفة بكلمات أو تواسيه فى محنته أو تمازحه أو تسمع لشكواه من أولاده وأحفاده، أو تواسيه فى الجحود الذى يتعرض له.

كل ذلك يؤثر فى الكبار بشدة لأن الدنيا قد انفضت عنه، وأضحى وحيداً يكابد الحياة، وهؤلاء تجد الله عندهم إن أردت الله وابتغيت الآخرة.

دعوات المريض للطبيب هى لحظة ثمينة وغالية فى حياة الطبيب، هى أغلى من أى أجر، فهى تعنى الحب والامتنان، أما الأجر فيدفعه الجميع ولا يعنى الحب، قد يعنى الحاجة وطلب الخدمة.

أما الدعاء فهو أعظم ما يجنيه الطبيب من مهنته، وهو فى كل المهن أغلى ما يحصده المسئول من الناس عندما يقضى لهم حاجاتهم.

كنت أتأثر كثيراً وأنا طالب طب بقدوة الأطباء جميعاً فى بلدتنا المرحوم د. محمود طوسون زعزوع وبكم القصائد والأشعار التى كتبت مدحاً فيه من مرضى أجرى لهم جراحات ناجحة، وألمس فيها كم المحبة المتدفق لعملاق الخير الذى علمنا جميعاً فى صبانا صنع المعروف وبذل الخير.

أحياناً يتأثر المريض بعد الشفاء فيبكى وهو يدعو للطبيب، أو يدعو له وهو يودعه بعد الشفاء التام، وأحياناً يقول المريض للطبيب: أريد أن أحضر لك هدية بعد شفائى فيقول الطبيب له: هديتى أن تدعو لى، فينهمر سيل جميل عذب متدفق من قلب ولسان مخلص فى لحظة صدق وحب لا تساويها كنوز الدنيا.

ولعل السيد المسيح «عليه السلام» قدوة الأطباء جميعاً لم يحصل من مرضاه شيئاً سوى هدايتهم ودعواتهم ومحبتهم متعباً نهج الأنبياء جميعاً «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ».

سلام على الأطباء المخلصين، ودعوات بالشفاء لكل مريض.