المحاكمة العادلة والمنصفة فى خطر
إذا كانت النيابة العامة تملك سلطة الاتهام لأى شخص، وباعتبارها ممثلة للمجتمع، أو كما اتفق أنها الأمينة على الدعوى الجنائية، فإن المتهم يتمتع بقرينة البراءة حتى تثبت إدانته فى محاكمة عادلة ومنصفة وفقاً للدستور المصرى، وهذا المبدأ الشهير باعتبار أن الأصل فى الإنسان البراءة، أحد أهم المبادئ الحقوقية التى نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ولم يخلُ منها دستور من الدساتير المصرية على مر العصور، وتضمنها الدستور المصرى الحديث لعام ٢٠١٤ فى باب سيادة القانون.
ولا تعد المحاكمة عادلة ومنصفة إلا إذا توافرت شروط محددة فى الدستور وقانون الإجراءات الجنائية، أهمها طبعاً افتراض البراءة فى المتهم، ومعاملته بما يحفظ له كرامة الإنسان، وحظر تعرضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة أو إساءة معاملته بأى شكل أثناء القبض أو التحقيق ولا يجوز احتجازه إلا بإذن من السلطات القضائية المختصة بالتحقيق، وحق المتهم فى حضور محامٍ معه سواء أثناء التحقيق أو المحاكمة، لا سيما فى المحاكمة الجنائية لا يجوز أصلاً إلا بحضور محامٍ، وإذا لم يكن للمتهم محامٍ تندب المحكمة له محامياً دون مقابل.
لذلك كان التعديل على قانون الإجراءات الجنائية فى المادتين ٢٢٧، ٢٨٨ بشأن شهادة الشهود أمام المحكمة وعدم التزام المحكمة بسماع الشهود صادماً، فهو يهدم مبدأ مهماً فى حق الدفاع الذى كفله الدستور للمتهم لإثبات براءته من التهم التى وجهتها له النيابة العامة، فالدفاع بالأصالة والوكالة مكفول، والفهم الصحيح لهذا التعديل المقترح هو تقييد حق الدفاع ومنع المتهم من تقديم شهود قد ينفون الاتهام تماماً، فشهادة الشهود أحد أهم الأدلة فى الدعوى الجنائية، والنيابة تحشد الأدلة سواء شهود الإثبات أو الأدلة المادية أو الفنية، فلا توازن إلا بإعطاء الحق للمتهم باستحضار أى دليل قد يساعد فى الوصول للحقيقة وتبرئة المتهم مما ينسب إليه، فإذا قيدنا حق المتهم فى طلب سماع الشهود إذا تم نسف جوهر المحاكمة العادلة والمنصفة.
أيضاً فإن هذا تقييد لمحكمة النقض فى رقابتها على المحاكم فى تطبيق القانون وتوفير واحترام حقوق الدفاع، ذلك أن من الأسباب التى سيقت خلف هذا التعديل أن عدداً من القضايا حكمت محكمة النقض بقبول الطعن وإعادة المحاكمة استناداً إلى مبدأ الإخلال بحق الدفاع نتيجة رفض الاستماع إلى الشهود، فقد أعطى القانون للمحكمة حق تكوين عقيدتها من أى دليل فى الدعوى، لكن يجب ضمان أن المتهم تمكن من تقديم أدلة نفى الاتهام والدفاع عن نفسه، لا سيما أن محكمة النقض أقرت أحكاماً عدة بأهمية شهادة الشهود كدليل مادى مهم فى الدعوى الجنائية، فقالت إن الشهود هم أذنا القاضى اللتان يسمع بهما وعينا القاضى اللتان يرى بهما، وبالطبع فإن رفض سماع شهود النفى يعد انتهاكاً جسيماً فى الالتزام بتطبيق القانون، وضمان حق الدفاع.
العدل قيمة من القيم الإنسانية السامية، والحق فى محاكمة عادلة ومنصفة أمام القاضى الطبيعى أحد أهم مبادئ حقوق الإنسان التى نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان «المادة ١٤»، وهذا التعديل المقترح على المادتين المشار إليهما فى قانون الإجراءات الجنائية يمثل اعتداءً على حق الدفاع، وعلى معايير المحاكمة العادلة والمنصفة، ولا أظن أنه من الضرورى أن تقدم هذه التعديلات الآن وفى غيبة البرلمان. المطلوب هو إضافة المزيد من الضمانات للحق فى المحاكمة العادلة والمنصفة لا الانتقاص من هذا الحق أو تعريضها للخطر بهذا التعديل المقترح على قانون الإجراءات الجنائية.