تحرص دار الإفتاء المصرية دائماً على مواجهة التحديات ومواكبة التغيّرات وملاحقة المستجدات التى تمر بالمجتمع المصرى والأمة الإسلامية، بمنظومة متكاملة من الخطط الاستراتيجية المناسبة لمقتضيات تجديد الخطاب الدينى، فالتحديات التى تواجهنا كثيرة ومتلاحقة، يأتى على رأسها قضايا تجديد الخطاب الدينى من أجل مكافحة التطرّف والإرهاب والقضاء على ظاهرة استغلال الدين فى نشر العنف والفوضى وإثارة الفتن بين الشعوب، واستغلال العاطفة الدينية لدى بعض الشباب فى دفعهم إلى سلوك سبيل العنف والتشدّد وكذلك تعرية المتطرفين والمتأسلمين أمام العالم أجمع.
ومن هنا فإن الدار أخذت على عاتقها الوقوف سدّاً منيعاً لحماية مصر والأمة الإسلامية من موجات العنف والإرهاب التى تبدأ فكرة شاذة وتنتهى تفجيراً وقتلاً، وانطلاقاً من هذا المبدأ كان لا بد من تفعيل منظومة العمل المؤسسى الجاد، وإعداد الخطط المستقبلية الطموحة، التى تسهم فى تصحيح المفاهيم ومواجهة الإشكالات الدينية المعاصرة ودفع قاطرة المنهج الوسطى إلى الأمام والمساهمة فى إرساء قيم التعايش والتسامح بين بنى البشر جميعاً.
وقد أعدت الدار من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم الكثير من المشروعات والخطط الجديدة، ومن أهم هذه الخطط الطموحة ما سيشهده هذا العام من جولات شديدة الأهمية لفضيلة مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام وعلماء الدار فى إطار السعى للتواصل مع المسلمين فى شتى بقاع المعمورة لتصحيح صورة الإسلام وتقديم الدعم والمساعدة للمسلمين هناك حول أهمية إرساء قيم التعايش والاندماج الكامل فى المجتمع وإعلاء قيمة المواطنة.
وستقوم الدار والأمانة العامة بتبنى مجموعة من الإجراءات، التى تُعزّز التواصل مع الخارج، من أهمها إرسال قوافل إفتائية علمية مشتركة تهدف إلى تبصير الجماهير فى ربوع المعمورة بقيم دين الإسلام الحنيف ومدى ما تميز به من يُسر وسهولة تناقض تماماً ما عليه جماعات التطرّف والإرهاب من فساد وتشدّد.
وقد بدأت الأمانة العامة فى تأسيس مكاتب تمثيل حول العالم تكون فروعاً لمقرها الرئيسى بالقاهرة تعمل على تطوير منظومة الإفتاء فى هذه البلاد، وتسهم فى نشر رسالة الأمانة العامة وأهدافها السامية، وأما على صعيد مواجهة جماعات التطرّف والإرهاب فسوف تقوم الدار فى العام الجديد 2020 برصد جميع أفكار الجماعات المتطرّفة المنبثقة عن جماعة الإخوان الأم الإرهابية، والقيام بتحليل هذه الأفكار والمفاهيم الجامدة، التى تسعى تلك الجماعات لنشرها، واختزال الإسلام فى مظاهر بعينها، ومحاولاتهم إعلاء قيمة المظهر على قيمة الجوهر، وتبنى فكر عنيف يناهض الدولة ويعمل على خلخلة الأمن والاستقرار المجتمعى، وتبنى مبدأ العمل السرى.
ومن خلال الرؤية الجديدة للدار سوف تقوم الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بالاستمرار فى دعم منظومة الاستشارات الإدارية للمؤسسات الإفتائية، وقد أصدرت الأمانة فى عامها الماضى عدداً من الإصدارات المهمة فى هذا الصدد، وهى: (الدليل الإرشادى لتأسيس الهيئات الإفتائية) - (إدارة الجودة فى المؤسسات الإفتائية) - (إدارة الموارد البشرية فى المؤسسات الإفتائية)، وتهدف هذه الرؤية إلى تأهيل دور وهيئات ومكاتب الإفتاء فى العالم معرفياً وإدارياً، بهدف الارتقاء بصناعة الفتوى علمياً وعملياً، وفى إطار مواكبة ثورة التطور الرقمى التى يشهدها العالم، سوف تمضى الأمانة العامة للإفتاء فى السير قدماً نحو تطوير البنية التكنولوجية لدور الإفتاء فى العالم، ولأجل هذا الغرض سوف تستحدث حزمة من البرامج لدعم دور وهيئات الإفتاء القائمة، بحيث تصبح الأمانة مرجعاً تكنولوجيّاً لتلك الدور، وسوف يتم تقديم برامج جاهزة لهذه المؤسسات فى إدارة الفتاوى الهاتفية والإلكترونية وتراث الفتاوى، وكذلك المواقع الإلكترونية وربطها بموقع الأمانة، انطلاقاً من أن الفتوى هى منتج دور الإفتاء، ومن ثم يجب أن يتميز هذا المنتج بجودة عالية تتناسب مع مستخدم هذا العصر، وفى إطار تأهيل وتدريب الأئمة والدعاة فى مجال ممارسة الإفتاء سوف تعلن الأمانة العامة عن إقامة دورات للأئمة من خارج مصر ستكون الأولى من نوعها باللغتين العربية والإنجليزية.
وأما عن موضوعات التدريب فسوف تسير وفق ثلاثة محاور؛ الأول: صناعة الفتوى، أما الثانى فسيكون حول مواجهة التطرف، والثالث فى إطار سُبل مواجهة الإسلاموفوبيا. ويأتى ذلك انطلاقاً من مبادرة الأمانة العامة بوضع برنامج تدريبى لإكساب مجموعة من المتدربين المشتغلين بالعلوم الشرعية المهارات الإفتائية، والعلمية، والفنية اللازمة لرفع كفاءة وجودة الأداء الإفتائى لديهم، هذه بعض الطموحات والرؤى الاستراتيجية لدار الإفتاء المصرية التى عودت جماهير الأمة المصرية والإسلامية على الوقوف سداً منيعاً وحصناً حامياً للثوابت الإسلامية والقضايا الوطنية.