الحج.. مقاصد عالية وعوائد حميدة

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

إنه الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو القصد إلى بيت الله الحرام، لأداء أفعال مخصوصة نص عليها القرآن الكريم وبينتها السنة المطهرة، وفيه من الفوائد الكبيرة، والمنافع الغزيرة، والعوائد الحميدة مالا يُعد ولا يحصى، فالله -سبحانه- يقول: «وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالَاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم»، (سورة الحج)، وفى هذا إشارة إلى أن الحج فيه من الفوائد العظيمة، والمنافع الكبيرة، على حجاج بيت الله الحرام، مالا يُحاط به ولا يحصى:- الحج مؤتمر كبير يبعث فى المسلمين روح الوحدة والترابط والألفة، والاجتماع والائتلاف، وكيف لا يجتمعون ولا يتوحدون وربهم واحد، ودينهم واحد، ونبيهم واحد، وهم على قبلة واحدة، مناسكهم واحدة، لباسهم واحد، وشعارهم واحد. لهذا كان موسم الحج رمزاً للقوة وعبرة للوحدة، ويا ليت المسلمين استفادوا منه، ولكن هيهات هيهات.- وأول مقاصد ركن الحج أن تتعلم العزة والكرامة والشموخ، وأنت تملأ قلبك وأذنك وتردد: (لبيك اللهم لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك).. فحين يعيش الإنسان هذا المعنى لا يذل نفسه، ولا ينافق، ولا يداهن، ولا يحسد، ولا يحقد، ولا ييأس، لأنه يعلم أن مرسل النعم وصاحب الملك هو الله وحده.- ومن مقاصد الحج التعود على النظام والانتظام، فلا أنانية ولا فوضى، فهو يطوف بالكعبة، ويقف بعرفات ويرمى الجمرات وسط ازدحام شديد، فينمى هذا فيه الرقى فى أمور حياته، فيرتبها باتساق ونظام، ولا يقدم غير المهم على المهم، وينأى بنفسه عن مواضع الأنانية والفوضى، وينتقل له مقصد النظام والانتظام من الحج، ليكون شعاراً له وهو يقف فى هيئات البريد والتموين والبنوك وطوابير الخبز وهكذا.- ومن مقاصد الحج فتح صفحة جديدة مع الله والمجتمع والنفس، ففى الحديث الشريف: (من حج فلم يرفث أو يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، فهذه صفحة جديدة يفتحها الإنسان مع ربه بالطاعة، ومع مجتمعه بالعمران والأخلاق والعطاء والبذل، وإغاثة الملهوف، ومع نفسه بتزكيتها، ويعيد مراجعة أفكاره لتتماشى مع المنهج المنضبط، فيرجع للحياة كيوم ولدته أمه.- ورمزية عظيمة نتلمسها من تقبيل الحجر الأسود -تكاد تكون غائبة-، فالحجر الأسود أقل المخلوقات، لأنه من جنس الجماد، والحاج أعلى المخلوقات، لأنه من جنس الإنسان، شرع الإسلام للحاج -وهو من جنس أعظم المخلوقات- أن يطأطئ رأسه ليقبل الحجر الأسود، الذى هو من جنس أقل المخلوقات، ليتعلم (التواضع)، وينبذ (التكبر)، فمن غير المعقول أن تطأطئ رأسك هناك فى الحرم للجماد، وحينما ترجع إلى بيتك تتعالى على أخيك الإنسان، تتعالى عليه بعلمك أو ثقافتك أو تدينك أو قوتك أو مالك أو عائلتك أو حجك.. إلخ، أنت بهذا تعكس الرمزية الكبيرة لفكرة تقبيل الحجر الأسود.ومن لم يستطع الحج فليخدم مجتمعه، ويغيث الملهوف، وينصر المظلوم، ويساعد المحتاج، ويكون بذلك كمن أدى فريضة الحج، وقصة عبدالله بن المبارك مشهورة: (خرج مَرَّةً إِلَى الْحَجِّ، فَمَاتَ طَائِرٌ مَعَهُمْ، فَأَمَرَ بِإِلْقَائِهِ عَلَى مَزْبَلَةٍ، وَسَارَ أَصْحَابهُ أَمَامَهُ وَتَخَلَّفَ هُوَ وَرَاءَهُمْ، فَلَمَّا مَرَّ بِالْمَزْبَلَةِ إِذَا امرأة قَدْ خَرَجَتْ مِنْ دَار قَرِيبَة مِنْهَا، فَأَخَذَت ذَلِك الطَّائِر المَيت، فَكَشَفَ عَنْ أَمْرِهَا، وسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: أَنَا وَأُخْتِى هَاهُنَا، لَيْسَ لَنَا شَىء، وَقَدْ أحل الله لَنَا الْمَيْتَةُ، وَكَان أَبُونَا لَهُ مَال عَظِيم، فَظُلِمَ وَأُخِذَ مَالُهُ وَقُتِل، فَأَمَرَ ابْن الْمُبَارَك بِرَدِّ الْأَحْمَال، وَقَالَ لِوَكِيلِهِ: كَمْ مَعَكَ مِنَ النَّفَقَةِ؟ فَقَالَ: أَلْفُ دِينَارٍ. فَقَالَ: عُدَّ مِنْهَا عِشْرِينَ دِينَاراً تَكْفِينَا للرجوع، وَأَعْطِهَا الْبَاقِى، فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ حَجِّنَا فِى هَذَا الْعَامِ، ثُمَّ رَجَعَ).وقيل إنه حين رجع بعض الحجاج من الحج ذهب ابن المبارك إليهم ليهنئهم بسلامة العودة، فقالوا له: التهنئة لك أنت يا ابن المبارك، فقد كنتَ معنا فى كل موقف ونسك، فقال لهم هل رأيتمونى؟ فقالوا له: نعم، لقد هيأ الله -سبحانه- ملكاً على صورتك، فحج عنك جزاء صدقتك على اليتامى.يا راحلين إلى البيت العتيق لقد ** سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحاًإنا أقمنا على عذر وعـن قدر ** ومن أقـام على عذر فقـد راحـا.