«السقعانين».. وجع على أرصفة الإسكندرية
![«السقعانين».. وجع على أرصفة الإسكندرية](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/313520_Large_20150211112952_12.jpg)
لا يعرف الصقيع الرحمة، يجبر القادرين على البقاء فى منازلهم المكيفة، بينما يضرب الفقراء بقسوة، وينخر فى أجسادهم، ويحاصرها من جميع الاتجاهات، خاصة المقيمين منهم على الأرصفة فى المحافظات الساحلية، التى يشتد فيها الصقيع، ليصل أحياناً إلى درجة التجمد.
ومع اشتداد موجة الصقيع التى ضربت الإسكندرية مؤخراً، وتسببت فى شل حياة الكثير من المواطنين، نظراً للرياح والأتربة والأمطار المصاحبة لها، رصدت «الوطن» حياة عدد من سكان المدينة على الأرصفة، دون أن يجدوا أكثر من قطع قماش يسترون بها عوراتهم، دون أن تكفى لصد البرد عن باقى أجزاء الجسم.
لم يجد «سكان الأرصفة» مكاناً للاختباء فيه من برد النوة الأخيرة، سوى الاستمرار فى الالتصاق بالأرصفة، وجدران الطرق، لكنهم حكوا لـ«الوطن» العديد من القصص والمآسى الإنسانية، والبداية كانت من جانب عفاف عزمى، 38 سنة، التى طردها زوجها الثانى من المنزل، لأنه لا يريد أن يربى ابنتى زوجها الأول.
تقول «عفاف»: «لم أجد مكاناً آمناً لأسكن فيه مع البنتين، ما دفعنا إلى افتراش أحد أكشاك المرور المهجورة، قرب محكمة الأسرة فى ميدان المنشية، وعلى بعد خطوات من كورنيش وسط المدينة»، وتضيف: «أسكن فى الكشك مع ابنتى فايزة، 16 سنة، ورشا، 14 سنة، ومع الوقت أصبح معظم الباعة الجائلين فى الميدان يعرفوننا، ويهتمون برعايتنا».
وأشارت إلى أن «الحياة فى هذا العام شديدة الصعوبة، فمياه الأمطار تدخل إلينا فى الكشك أثناء نومنا، وتغرقنا»، مضيفة: «أسهر طوال الليل لحراسة بناتى أثناء النوم، وأنتظر قدوم أحد الباعة فى الصباح، حتى أستطيع النوم، خوفاً من مضايقات البلطجية لنا».
فى الصباح، تبيع الأم وابنتاها المناديل، ليصرفن على أنفسهن، وعندما يحتجن لدخول دورات المياه يلجأن إلى أحد المقاهى على بعد شارعين من الكشك، بحسب رشا، التى قالت: «كل ما نحلم به هو غرفة صغيرة تؤوينا، وتحمينا من البرد، وحياه التشرد».[SecondImage]
وعلى أحد أرصفة محطة مصر، جلست السيدة العجوز فوزية فرغلى، وهى تلتحف ببطانية فى محاولة للاحتماء من الصقيع، كانت تأكل «زبادى» أعطاه لها أحد المارة، بينما تنظر إلى جميع المارة فى ريبة وتوجس، قبل أن تقول: «يا رب انجدنى من الجو ده». بصوت منخفض يحمل الكثير من الأسى، تقول «فوزية»، التى شارفت على الثمانين من العمر: «عندى بدل البيت اثنين، لكنى تركتهم بمزاجى، فأنا لا أقبل على نفسى الذل أبداً مهما حصل»، ثم أضافت بانزعاج شديد: «لو هموت متجمدة، أكرم لى من الإهانة»، موضحة: «بدأت مأساتى بعدما زوجت ابنىّ الاثنين لابنتى شقيقى، وواحد سكن معى، والثانى فى منزل آخر، لكن بعد مرور 3 أشهر لم يطقنى أى منهما».
وأضافت: «شعرت بالمهانة، فكيف يجرؤ ابنى على إهانتى، فتركت المنزل، وقررت أن أعيش فى الشارع، فهنا لا أحد يضايقنى أو يهيننى، وأنام وأصحى وقتما أحب، صحيح أن الجو كالرصاص، لكن أحسن من العيشة مكسورة الخاطر ومذلولة».
وبينما يصارع المارة الرياح القوية، ويهرب الجميع من الأمطار الشديدة، جلست السيدة الأربعينية، ياسمين حافظ، على أحد مقاعد حديقة ميدان المنشية، وبجوارها ابنها السيد على، 13 سنة، وقالت لـ«الوطن» وهى تنظر للمارة بحسرة: «الكل يجرى هنا وهناك، ويعود إلى بيته، والكل يجد مكاناً يحتمى فيه من الشتاء والصقيع، إلا أنا».
تقول «ياسمين» «منذ عامين أصبت بمرض أدى إلى قطع ذراعى، فأصبحت عاجزة عن العمل، ما دفع زوجى إلى تركى وحيدة مع ابنى، وتزوج من سيدة أخرى، ثم طردنا من المنزل، ومن وقتها بات الشارع ملاذنا ومأوانا الوحيد، فأنا لا أتحمل تكلفة استئجار شقة، ولا توجد لى عائلة ألجأ إليها، وأعيش على ما يساعدنى به سكان الشوارع المجاورة، الذين يرسلون لنا بقايا الطعام»، وأضافت: «امتهنت التسول لأتمكن من توفير الطعام لصغيرى، وكل حلمى فى الدنيا أن أجد مخبأ صغيراً نحتمى داخله من البرد، وأقول لكل المسئولين ارحموا سكان الشوارع».