بالصور| "السقعانين".. حكاوي "سكان الأرصفة" في "عروس البحر"
![بالصور|](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/313230_Large_20150211011722_15.jpg)
مع اشتداد موجة السقيع التي تضرب الإسكندرية، وسوء الأحوال الجوية إلى مستويات تسببت في شلل بحياة المواطنين بسبب الرياح والأتربة والأمطار وانخفاض درجات الحرارة، تقبع حفنة من "البشر" على أرصفة عروس البحر الأبيض المتوسط، لا يجدون سوى قطع من الأقمشة التي يدارون بها عوراتهم، ولا تكفي لتغطية باقي أجسادهم التي يأكلها البرد حتى يموتون بعد إصابتهم بأمراض جمة.
"سكان الأرصفة"، لم يجدوا مكانا للاختباء من برد النوة الأخيرة سوى الاحتماء بالجدران على جانبي الطرق، رصدت "الوطن" قصصهم وحكاياتهم والمآسي الإنسانية الخاصة بهم، والتي يروونها من على أرصفتهم الخالية من المارة بسبب موجة الصقيع.
عفاف عزمى (38 عاما) لم تجد مكانا آمنًا يحتويها وبناتها بعدما طردهم زوجها الثاني، لأنه لا يريد تربية "بنات مش بناته"، على حد قولها، الأمر الذي دفعها إلى افتراش أحد أكشاك المرور المهجورة، الواقع بجانب محكمة الأسرة بميدان المنشية على بعد خطوات من الكورنيش وسط المدينة.
تقول عفاف لـ"الوطن": "أسكن بالكشك وأنام بداخلة أنا وبناتي فايزة 16 عاما ورشا 14 عاما، وأغلب الباعة بالميدان عارفنا وبياخدوا بالهم منا"، مشيرة إلى أن الحياة في ذلك الوقت من العام شديدة الصعوبة، بخاصة في مثل هذا الجو، فمياه الأمطار تدخل إليهم داخل الكشك أثناء نومهم، ولا تجد من يحميها وبنتيها من البرد والصقيع.
وتابعت "أسهر طوال الليل لحراسة بناتي أثناء نومهن وانتظر قدوم أحد الباعة في الصباح الباكر حتى أستطيع النوم، نظرا لنومنا في الشارع، وخوفي من مضايقات البلطجية والخارجين على القانون لي ولبناتي".
وعن الحياة اليومية تقول ابنتها رشا "نبيع المناديل أنا وأختي وأمي، وعند احتياجنا لدخول دورات المياه نذهب لأحد المقاهي على بعد شارعين من الكشك".
وأضافت رشا "كل حلمنا غرفه صغيرة تؤوينا أنا وأمي وأختي، ونختبئ بها من البرد وحياة التشرد".
أما السيدة العجوز فوزية فرغلي، فملتحفة ببطانية من برد الشتاء والصقيع، جالسة على قارعة الطريق بأحد أرصفة محطة مصر للقطارات بالإسكندرية، تأكل كوبا صغيرا من الزبادي أعطاه لها أحد المارة، وتنظر للجميع فى ريبة وتوجس، تقول "يارب انجدني من الجو الفظيع ده".
غالبية المارة أمام فوزية لا يستطيعون تجاوزها وتركها والمرور عليها "مرور الكرام"، بل يشدهم ضعفها وقلة حيلتها فتزداد بداخلهم الرغبة لمعرفة قصة النائمة على الرصيف في شدة البرودة.
بأسى وصوت منخفض، تقول فوزية فرغلى السيدة التي باتت على مشارف الثمانين من العمر، "أنا عندي بدل البيت اثنين، مش مرمية في الشوارع، بس سيبتهم بمزاجي، عشان أنا لا أقبل الذل لنفسي وكرامتى أبدا مهما حصل، وفجأة بانزعاج شديد تقول لو حموت متجمدة أكرم لي من الإهانة".
تروى السيدة الملكومة تفاصيل قصتها فتقول "بدأت مأساتي بعد أن قمت بتزويج أبنائي الاثنين "الرجالة" لبنات أخويا، واحد سكن معي والثاني في منزل آخر، وبعد مرور 3 أشهر لم يطقني الاثنين وأبلغني ابنى أن وجودي معهم في بيت واحد أصبح أمرا مستحيلا، وسيتسبب في دمار علاقاتهم وينهى زواجهم، مطالبا منى ترك المنزل والمكوث عند أخيه الأكبر".
وأضافت "شعرت بالمهانة، فكيف يجرؤ صغيري على فعل ذلك"، لافتة إلى قيامها بترك المنزل فورا، والذهاب عند الابن الأكبر لها، والذي ما لبث وأن عرف ما حدث، حتى أخبرها هو الآخر بأنه لا مفر أمامها سوى العودة مرة أخرى إلى أخوه الأصغر، لأن زوجته ستضع طفلة قريبا ومساحة البيت لا يكفى لإقامة والدته معهم.
واستطردت "قررت أعيش في الشارع هنا ولا حد يضايقني ولا يهني، وآخد مساحتي من الحرية، أنام وأصحى وقت ما أعوز، صحيح الجو "رصاص" لكن أحسن من العيشة مكسورة الخاطر ومذلولة".
وبينما يصارع المارة الرياح الشديدة ويهرب الجميع من شدة مياه الأمطار بالإسكندرية، تجلس الأربعينية "ياسمين حافظ" وبجوارها ابنها السيد على "13 عاما"، على أحد مقاعد حديقة ميدان المنشية وسط المدينة، لتتخذ من المكان مأوى لها.
تنظر لجميع المارة وهى بائسة محطمة بسبب أحوالها، فتقول: الكل يجري هنا وهناك ويعود إلى بيته ويجدون مكانا يلجؤون إليه آخر اليوم ويحتمون بداخلة من برد الشتاء والصقيع، إلا أنا.
تقول ياسمين "بدأت قصتي منذ عامين، إذ أصبت بمرض أدى لقطع زراعي وأصبحت عاجزة في النهاية، ما دفع زوجي إلى تركنا وابني الصغير وتزوج من سيدة أخرى، وطردنا من المنزل، ومنذ ذلك الحين وحالي أنا وصغيري الضعيف صعب، نتألم نهارها وليلا لنقاوم برودة الجو".
وأضافت "بات الشارع ملاذنا ومأوانا الوحيد، فأنا لا أستطيع العمل لاستئجار شقة وتوفير متطلبات الحياة اليومية، ولا يوجد لي عائلة ألجأ إليها، وغالبا ما يساعدنا الأهالي من سكان الشوارع المجاورة ويرسلون إلينا بقايا الطعام.
وتابعت "امتهنت التسول لأتمكن من توفير الطعام لصغيري، وكل حلمي في الدنيا ألاقي مخبأ صغير احتمى بداخلة مع ابنى وأهرب من "الفريزر" اللي قاعدين فيه".
واستطردت قائلة "أنا بقول لكل للمسؤولين ارحموا سكان الشوارع أحنا في شهر طوبة اللي يخلى الصبية كركوبة".