بروفايل| أمل دنقل.. «من قال لا في وجه من قالوا نعم»

كتب: محمد أسامة رمضان

بروفايل| أمل دنقل.. «من قال لا في وجه من قالوا نعم»

بروفايل| أمل دنقل.. «من قال لا في وجه من قالوا نعم»

كتب اسمه على أديم السماء بأحرف من نور، وعلى صخر الجبال بأحرف من نار، جاد الصعيد به فحمل لواءه وأجاد، لعب أول ما لعب بطمي النيل فتشبع برائحته ووقع في عشقه، ارتدى جلباب أبيه فأسبغ عليه الحكمة والوفاء، وارتوى من مكتبته فكانت بداية بنائه الشاهق وسيطه الوفير.

40 عاما مضت على رحيل محمد أمل فهيم محارب دنقل، الشهير بأمل دنقل، سيد شعراء الرفض وكبيرهم.

في قرية القلعة بمركز قفط بمحافظة قنا عام 1940 ولد، لأب أزهري أطلق عليه اسم «أمل» سعادة وفرحة بحصوله على «العالمية» حينها، فكان فأل خير على أسرته وعلى كل من عرفه.

علمه اليتم الألم والمرار، وأجبره والده على عدم اللعب مع أقرانه فاتجه للقراءة رغبة منه في أن يصير رجلا كأبيه،  واشتهر بين رفاق الصبا بأنه الشخص الذي لا يعرف الإبتسامة.

أنهكته الحياة منذ أن كان صبيا في العاشرة، فبرحيل شيخه وأبيه، أطلقت عليه الدنيا سهامها الغادرة، إلا أنه واجهها رافعا هامته غير منحنٍ، فغادر الصعيد بعد الثانوية متدثرا بجلبابه الصعيدي وبشعر ورثه وعشقه، وبموهبة فطرية عالية.

يثير القطار فيه شجون الرحيل كأي رحال يترك تراب أبيه رغبة في حياة أفضل، ومع صوت القطار يلازمه حزن الكمان، وصوته الأثير.

لماذا يُتابِعُني أينما سِرتُ صوتُ الكَمانْ؟

أسافرُ في القَاطراتِ العتيقة،

كي أتحدَّث للغُرباء المُسِنِّينَ

أرفعُ صوتي ليطغي على ضجَّةِ العَجلاتِ

وأغفو على نَبَضاتِ القِطارِ الحديديَّةِ القلبِ

تهدُرُ مثل الطَّواحين

لكنَّها بغتةً.. تَتباعدُ شيئاً فشيئا..

ويصحو نِداءُ الكَمان!

التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة، إلا أن ثقل الحياة أرغمه على ألا يهتم بالدراسة في العام الأول وأن يعمل ليعيل نفسه، حينها فتح عينيه على الحرب فأنهكته الهزيمة وأحرقت فؤاده، فكتب فيها «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة».

فكان الأعلى صوتا بين أبناء جيله، والأكثر حزنا بين من كتب، وتتابعت دواوينه التي تحمل بين طياتها كل معاني الرفض للواقع والظروف فكان كبيرا لشعراء الرفض، وكان المجد له، «من قال لا.. في وجه من قالوا نعم».

قال «لا» لكل شيء لم يعجبه، وظل عليها بدواوينه المختلفة، قال لا للصلح مع العدو، وقال لا للظلم، وقال لا للألم والمحنة.

تزوج من الكاتبة الصحفية عبلة الرويني في العام 1979، وكتبت عنه كتابها الأهم «الجنوبي»، الذي يحكي سيرته، ويعد من أهم ما كتب عن أمل دنقل.

كانت «أوراق الغرفة 8» آخر دواوين «أمل»، وكتبه في مرضه الأخير ونُشر بعد وفاته، نقل فيه لحظاته الأخيرة وعبّر فيه عن معاناته مع المرض، واللحظات الأخيرة في حياته.

أنهكته الأحلام وأنهكه المرض وظلت الغرفة رقم 8 في المعهد القومي للأورام والذي قضى فيه ما يقارب الأربع سنوات شاهدة على أحلام اليقظة والنوم، وأيام الأمل والحيرة.

صال السرطان بين جنباته وجال، وتمكن منه منذ 40 سنة عن عمر ناهز 43 عاما، وأثر استمر عقود وسيستمر أطول، ورحل الرجل الذي لم تهتز قدماه قط.

لا تصالحْ! ..

ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

هل ترى..؟

هي أشياء لا تشترى..


مواضيع متعلقة