في ذكرى ميلاد «الجنوبي».. أخطر مواجهة بين أمل دنقل وطبيبه في معهد الأورام

كتب: سيد المليجي

في ذكرى ميلاد «الجنوبي».. أخطر مواجهة بين أمل دنقل وطبيبه في معهد الأورام

في ذكرى ميلاد «الجنوبي».. أخطر مواجهة بين أمل دنقل وطبيبه في معهد الأورام

اكتشف الشاعر أمل دنقل إصابته بالسرطان بعد 9 أشهر من زواجه، وخضع لعمليتين جراحيتين لم تفلحا في حسم معركته مع المرض الخبيث، فقرر الأطباء تجديد إقامته في غرفة داخل معهد الأورام لما يزيد على العام، ظل خلالها ينقل معاركه مع المرض.. من الفراش.. إلى الورق، وكان لا يكف عن الحديث مع الأطباء والممرضات عما وصلت له حالته الصحية، وفي إحدى المرات صارح طبيبه الخاص بعيب خلقي ولد به، وكان يجب التعامل معه بالبتر، وقال له «لو كانوا عملوا كده.. مكنش هيبقى فيه سرطان أصلا».

سر خلود أمل دنقل

كان القدر كريمًا في عطائه للشاعر الكبير أمل دنقل، منحه جسدًا نحيفًا لا يصلح أن يكون خزانة للكلمات، ومنحه تجارب تصقل موهبته، فغزل الكلمات لتصبح بنايات راسخة في وجدان الملايين، ومنحه روحا متمردة، فعاش.. حتى بعد رحيله.

دخل الشاعر أمل دنقل معهد الأورام، فتحول المكان إلى ركن من أركان الثقافة العربية، يستقبل مشاهير الإبداع من مختلف البلدان، وممثلين عن زعماء وملوك، محملين بالعروض.. والرغبة في إنقاذ الشاعر المريض، لكن روحه المتمردة دفعته لأن يخوض معركته للنهاية.. داخل الغرفة رقم 8 في الدور السابع بالمعهد القومي للأورام.

اكتشف الشاعر الكبير إصابته بالسرطان عام 1979، وبالتحديد بعد 9 أشهر من زواجه، وخضع وقتها لجراحة في مستشفى العجوزة؛ لإزالة الورم الصغير الذي علق بجسده، أعقبها جراحة ثانية كمحاولة لوقف زحف المرض الخبيث داخل جسده الضعيف، وبعدها أجمع الأطباء على ضرورة إلزامه بتحديد إقامته في المعهد القومي للأورام.

عاش أمل دنقل داخل الغرفة رقم 8 من فبراير 1982، وفارقها في الرابعة من صباح السبت 21 مايو 1983؛ ليستقر جسده في مدافن العائلة بقرية القلعة مركز قفط التابع لمحافظة قنا، تنفيذًا لوصيته التي ألقاها على مسامع زوجته الكاتبة الصحفية عبلة الرويني، وفي حضور الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، والدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق.

قصة هروب أمل دنقل من معهد الأورام

عاش أمل دنقل كطفل متمرد، لم يختبر معنى الخطر، لم يرفع راية الاستسلام.. حتى لو كان الخصم هو السرطان، فحين حدد الأطباء إقامته في المستشفى.. حول غرفته إلى مملكة خاصة يديرها على طريقته، قرر التمرد على اللون الأبيض الذي يحاصره في كل تفاصيل المكان، لون الحوائط والأثاث الخشبي، ومعاطف الأطباء والممرضات، ومفرش السرير الممدد أسفل جسده، فوضع على الحائط المواجه لسريره.. رسومات لزهور كانت تحمل توقيع رسام الكاركاتير «بهجوري»، وصورة فوتوغرافية لرفيق دربه الروائي الموهوب «يحي الطاهر عبدالله»، الذي زاره في هذه الغرفة.. وبكي بحرقة لمجرد إحساسه أن صديقه الشاعر معرض للموت، لكن المفارقة أن «يحيى» الذي لم يكن مصابا بأي مرض.. رحل قبل صديقه بشهور في حادث سيارة.

التفاصيل الصغيرة التي ملأ بها الشاعر الكبير مملكته الجديدة، أعانته على أن يستأنس برفقة المرض، لكن اضطر لمرة واحدة للهروب من هذه المملكة، حين أبلغه الشاعر الكبير فاروق شوشة برغبته في أن يجمعه برفيق دربه وبلدياته الشاعر عبدالرحمن الأبنودي في حلقة خاصة من برنامجه «أمسية ثقافية»، وجرى إعادة بثها بعد ذلك على شاشة القناة الأولى في ماسبيرو يوم رحيله.

حديث خاص بين أمل دنقل والطبيب عن السرطان

داخل الغرفة رقم 8 كان أمل دنقل ممددا على الفراش، محاطًا بزوجته، و3 زوار، بينهم الأستاذ الدكتور محمود شريف استشاري الأورام، وطلب منه الشاعر الموهوب أن يريه مكان الأورام السرطانية التي جرى استئصالها من جسده، وأن يحدد له أماكن المرجح أن تتأثر مستقبلا، وخلال عملية الفحص، كان الشاعر الموهوب لا يتوقف عن طرح الأسئلة على الطبيب، عن أنواع مرض السرطان، والتمركزات التي ينطلق منها كل نوع، وأبلغه الطبيب أن كل نوع يحمل اسم خلية المنشأ التي ينطلق منها.

وبدأ الشاعر الموهوب يطرح ما يشبه النظرية الطبية عن إمكانية القضاء على احتمالات الإصابة بسرطان الخصية، عن طريق استئصالها، فضحك الطبيب، وضحك الشاعر، وكأنهما يتحدثان عن شيءٍ لا يخصهما.

انتهت وصلة الضحك وعاد الشاعر للحديث مع الطبيب مرة أخرى عن عيب خلقي في الخصية، ولد به، معتبرًا أنه لو جرى استئصالها، لجنبه ذلك الإصابة بالسرطان.

السيرة الذاتية للشاعر أمل دنقل   

الاسم: محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل، ولد لأسرة نوبية في عام 1940 بقرية القلعة، مركز قفط بمحافظة قنا، وكان والده عالماً من علماء الأزهر الشريف، وحصل على إجازة العالمية في عام ميلاد نجله الأول، وكان ذلك سببا في أن يختار له اسم «أمل»، وفارق الأب الدنيا حين بلغ نجله عامه العاشر.

التحق أمل دنقل بكلية الآداب جامعة القاهرة، لكنه انقطع عن الدراسة في العام الأول، والتحق بعدة وظائف، لكنه لم يطق البقاء فيها طويلا، إلى أن حصل على منحة تفرغ وراتب شهري من وزارة الثقافة وقت أن كان يترأسها الأديب يوسف السباعي.

أصدر الشاعر أمل دنقل 6 دواوين نشر آخرها بعد رحيله، وهي:

- البكاء بين يدي زرقاء اليمامة - بيروت 1969.

- تعليق على ما حدث - بيروت 1971.

- مقتل القمر - بيروت 1974.

- العهد الآتي - بيروت 1975.

- أقوال جديدة عن حرب بسوس - القاهرة 1983.

- أوراق الغرفة 8 - القاهرة 1983.


مواضيع متعلقة