«الأسطى حسن» دقة إيده على منابر المساجد وآثار مصر.. حارس مهنة عمرها 7 قرون
«الأسطى حسن» دقة إيده على منابر المساجد وآثار مصر.. حارس مهنة عمرها 7 قرون
في الثامنة من صباح كل يوم يتجدّد الشوق داخل «الأسطى السبعيني»، حين يهفو إلى ورشته الصغيرة بمنطقة الدرب الأحمر، وتحديدا بالقُرب من مسجد فاطمة النبوية، ويعود شابا صبورا حين ينكفئ على الطاولة ويمسك بيديه قطع الخشب المتناثرة وبتركيز شديد يبدأ تجميعها ببعضها ليخرج بقطعة تشبه ما رسمه على أوراقه الشفافة، وتمثل شكل المنبر الذي يطابق النسخة الأصلية من المسجد الأثري، الذي يخضع للترميم، فهو المشروع الذي يسير على دربه «الأسطى حسن» مع المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث منذ سنوات.
منذ فتح «حسن» عينيه على الحياة وهو يتنفّس عشقا لمهنته، فهو حفيد للجد السابع لعائلته، الذي تعلم ضمن البعثة التي أرسلها الوالي العثماني إلى الآستانة عام 1517 ميلاديا ليتعلم أصول فن الأرابيسك، فمن هنا جاءت البداية، وتعاقبت الأجيال من بعده في تعلم المهنة.
يروي «حسن» في حديثه لـ«الوطن»: «عائلة والدي تخصّصت في الفن القبطي.. أما عائلة والدتي فاتجهت إلى الفن الإسلامي، وتحديدا نجارة العاشق والمعشوق»، حسب حديثه.
بنبرة صوت تبوح بالفخر، تحدّث «الأسطى حسن» عن بصمات عائلته المدهشة الباقية حتى الآن على منابر المساجد الأثرية، وفي أسقفها المزخرفة، وكشف عن مشاركة عائلته في إتمام وتنفيذ بعض أعمال النجارة بحرفية شديدة في مساجد أثرية، منها منبر مسجد الإمام الحسين، وغيره من المساجد العريقة.
إبداع عائلة الصبي الصغير، آنذاك، في بناء المنابر الإسلامية خلق بداخله حالة من الفضول حول «أصول الصنعة»، ليخطو «حسن» إلى ورشة خاله مستغلا فترة العطلة الدراسية، وهو في عمر الـ17 عاماً، فسرعان ما أبدى تميزه في تطابق رسوماته الهندسية بما رآه من زخارف دقيقة لشكل المباني في ذلك الزمان، ومنذ ذلك الوقت وحتى اللحظة الراهنة أصبحت الورشة هي الركن المفضّل في حياة «الأسطى حسن»، ليُبدع في تصاميمه الفنية، محافظا بها على ما تبقى من سيرة عائلة «أبوزيد».
دقة شغل «الأسطى حسن» لم تتوقف فقط عند المساجد داخل مصر، إذ ترك بصماته في الكثير من دول العالم بزخرفة بناياتها، إذ اشترك في بناء مسجد الأمير عبدالله في الجزائر، وأيضا في قصر الملك فيصل وقصر الدمام في السعودية.
وفي عام 2018، ابتسمت الحياة لـ«حسن»، حين تواصلت معه المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث، طالبة منه ترميم المنابر الأثرية والحفاظ عليها: «أنا اشتغلت مع مشروع المؤسسة في ترميم المنابر.. منها مسجد أحمد بن طولون.. ومسجد الصالح طلائع.. ومنبر سلطان قايتباي والبهلوان.. وشغال في نحو 30 منبرا لمساجد أثرية».
لقائي بالملك تشارلز الثالث شرف كبير وشُفت انبهاره بهديتي له بمناسبة عيد ميلاده
تعاون «الأسطى حسن» مع مؤسسة إنقاذ التراث كان سببا في تكريمه من الملك تشارلز، حين جاء في زيارته إلى مصر عام 2021 منذ كان أميرا: «قابلته في بيت الرزاز، وكنا شغالين على مشروع ترميم مسجد البهلوان».
لقاء تاريخي جمع الأمير تشارلز والأسطى حسن، داخل بيت الرزاز الأثري، ما زال يتذكر تفاصيله، حين وقف أمام ولي عهد بريطانيا، آنذاك، في فخر، معتزا بمهنته المتوارثة، بينما يواصل الأمير نظراته بشغف واهتمام تحول إلى إعجاب وفرحة بحصوله على جزء من أرشيف منابر مساجد مملوكية عكف «الأسطى حسن» على صناعتها بيديه، لإعطائها للأمير بمناسبة عيد ميلاده الذي تزامن مع زيارته إلى مصر «كان منبهر جدا بالهدية.. خاصة لما فكيتها وركبتها قدامه».