من «أورشليم» إلى «الجلجثة».. تفاصيل آخر 7 أيام للسيد المسيح على الأرض

كتب: مريم شريف

من «أورشليم» إلى «الجلجثة».. تفاصيل آخر 7 أيام للسيد المسيح على الأرض

من «أورشليم» إلى «الجلجثة».. تفاصيل آخر 7 أيام للسيد المسيح على الأرض

تعيش الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلال أيام أسبوع الآلام الخطوات الأخيرة للمسيح على الأرض، بداية من دخوله أورشليم يوم أحد الشعانين، وصولاً إلى الجلجثة يوم الصلب، إذ يحيى الأقباط ذكراه بين السعادة بالاحتفال بالسعف لدخول المسيح أورشليم والحزن فى نهايته لآلام المسيح على الصليب، حسب الاعتقاد المسيحى. وتشترك الكنيسة مع المسيح فى الأيام الـ7 الأخيرة قبل القيامة من خلال البصخة المقدسة، التى تُقرأ فيها أحداث أسبوع الآلام من الإنجيل والألحان الحزينة التى تتخلل أيام هذا الأسبوع، فضلاً عن الزهد الشديد فى الطعام وتعليق الستائر السوداء فى الكنيسة وعدم الصلاة على الموتى.

1 سبت لعازر

في اليوم الذى يسبق دخول المسيح أورشليم وبداية أسبوع الآلام قام السيد المسيح بمعجزة كبرى، وهى إقامة لعازر، بعد أربعة أيام فى القبر، حسب المعتقد المسيحى، حيث ذهب المسيح إلى قبر «لعازر»، وأمر تلاميذه برفع الحجر من على باب القبر، وقال، حسب الإنجيل: ««لعازر، هلمّ خارجاً»، «فخرج الميت، ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل».

ويذكر القمص أنطونيوس فكرى أنه كان لهذه المعجزة تأثير كبير على الذين شاهدوها أو سمعوا بها، الأمر الذى دفع الجماهير إلى استقبال المسيح ذلك الاستقبال الحافل فى أورشليم يوم أحد الشعانين، كما أنها كانت السبب الذى دفع المجمع السبعينى لليهود إلى الاجتماع واتخاذ القرار بقتله، لأن الجماهير كانت تناديه بلقب ملك.

وإحياء لعازر حدث قبل أحد الشعانين بأربعة أيام، وفقاً للإنجيل، أى أنه لم يحدث يوم السبت، ولكن الكنيسة تفضّل الاحتفال به قبل أسبوع الآلام ويوم أحد الشعانين مباشرة.

ولا يزال قبر لعازر الأول موضوع إكرام فى بلدة بيت عنيا قُرب القدس التى تحمل حتى اليوم اسمه وتُدعى بالعربية «العيزرية».

أما المسيح فقضى اليوم فى بيت لعازر، فى منطقة بيت عنيا على بُعد ميلين من القدس، وفى المساء سكبت «مريم» الطيب الغالى الثمن على قدَمى المسيح ومسحتهما بشعر رأسها، حسب الإنجيل.

2 أحد الشعانين

فى هذا اليوم دخل المسيح على «حمار» إلى مدينة القدس، واستقبله أهلها استقبالاً كـ«الملوك» بالسعف والزيتون المزين، فارشاً ثيابه وأغصان الأشجار والنخيل تحته، لذلك يُعاد استخدام السعف والزينة فى أغلب الكنائس للاحتفال بهذا اليوم، ويطلق على هذا اليوم لذلك «أحد السعف» أو «أحد الزيتونة».

ويُعد أحد الشعانين أو السعف من الأعياد السيدية، ويذكر البابا الراحل شنودة الثالث فى «كتاب أحد الشعانين» أن الكنيسة تحتفل به بالطقس الفريحى قبل الدخول فى ألحان البصخة الحزينة، وفيه استقبل اليهود المسيح بالسعف وأغصان الزيتون ملكاً على أورشليم، وليخلصهم من حكم الرومان.

ويوضّح البابا شنودة أن كلمة شعانين هى كلمة عبرانية جاءت من عبارة «هو شيعه نان» ومعناها «يا رب خلص»، ومنها الكلمة اليونانية «أوصنا»، وهى الكلمة التى كانت تهتف بها الجموع عند خروجهم لاستقبال موكب المسيح، وهو فى الطريق إلى أورشليم.

وذهب المسيح فى هذا اليوم، حسب الإنجيل، إلى جبل الزيتون فى منطقة «بيت فاجى»، وبكى وهو نازل من المنطقة على أورشليم قبل أن يعود إلى المبيت فى بيت عنيا خارج القدس.

3 اثنين البصخة

فى هذا اليوم خرج السيد المسيح من بيت عنيا قاصداً الهيكل، وفى طريقه مر بشجرة التين غير المثمرة فلعنها، وهى شجرة كانت ترمز إلى الشعب اليهودى، وتمثل رذيلة الرياء، حيث لها المظهر وليس فيها ثمر، حسب سلسلة الأسبوع المقدس للأنبا بيشوى، مطران دمياط الراحل.

كما قام المسيح أيضاً فى هذا اليوم بإكمال تطهير الهيكل من الباعة، حيث طرد كل الذين يبيعون ويشترون فيه قائلاً «مَكْتُوبٌ: بَيْتِى بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!» (مت 21: 13)، لتكون تلك المرة الثانية التى يطرد فيها الباعة من الهيكل ويطهره من العبادة الشكلية والربح المادى ثم أخذ يعلم، وذلك رمز على أن يكون المكان بيتاً لله والدين وليس للتجارة.

كما قام بعمل المعجزات فى الهيكل، مما أثار حسد رؤساء الكهنة وحراس الهيكل فتآمروا عليه ليقتلوه، وذلك استناداً إلى نص الكتاب المقدس: «وجاء إليه العمى والعرج، وهو فى بيت الله فشفاهم. فتآمروا عليه ليقتلوه» إنجيل متى «21/14».

ونهت التعاليم الكنسية عن إقامة القداسات فى هذا اليوم الذى سُمى باثنين البصخة، أو كما يُطلق عليه كنسياً «يوم السلطان»، ويحظر فيه رفع البخور بالكنائس، حتى إذا توفى أحد فى تلك الأيام، فليحضروا به إلى البيعة وتقرأ فصول وقراءات ما يلائم ساعة دخول المتوفى إلى الكنيسة من السواعى الليلية أو النهارية بدون رفع بخور. وفى مساء هذا اليوم، عاد المسيح مجدداً إلى «بيت عنيا» للمبيت بعيداً عن القدس.

4 ثلاثاء البصخة

وفى هذا اليوم مرّ المسيح وتلاميذه وهم فى طريقهم للهيكل على شجرة التين التى يبست من الأصل بعد أن لعنها فى اليوم السابق، ثم قضى المسيح بقية نهار هذا اليوم فى الهيكل بالقدس مع تلاميذه يجاوبهم ويكلمهم عن المجىء الثانى ويوم الدينونة العظيم -يوم القيامة- والاستعداد له، ويرد على أسئلة الفريسيين بوجوب إعطاء الجزية لقيصر، والصدوقيين الذين يسألون بمكر عن القيامة، وهم ينكرونها، وكلمهم المسيح فى هذا اليوم، حسب الإنجيل، عن خراب الهيكل.

وفى هذا اليوم، وقع الصدام بين المسيح ورؤساء الكهنة، وسأله مجمع «السنهدرين» -المحكمة العليا للأمة اليهودية- عن مصدر سلطاته.

وفى مساء هذا اليوم ترك المسيح الهيكل ومضى وفى نيته عدم العودة إليه مرة أخرى، وذهب إلى بيت عنيا خارج القدس، ليستريح.

وتستمر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلال هذا اليوم فى الامتناع عن إقامة القداسات، وتحظر رفع البخور داخلها، وتقصر الصلوات على الموتى بقراءة ما يلائم ساعة دخول المتوفى إلى الكنيسة من السواعى الليلية أو النهارية دون رفع بخور، كما يُقرأ فى هذا اليوم إنجيل متى كله.

5 أربعاء البصخة

كان يوم الأربعاء يوم راحة للمسيح فقضاه مع تلاميذه بالقرب من بيت عنيا، وفى هذا اليوم اجتمعت المحكمة العليا للأمة اليهودية المعروفة بـ«مجمع السنهدرين»، ليدبّروا قتل المسيح، وتآمر معهم تلميذ المسيح، الذى يُدعى يهوذا الإسخريوطى الذى باعه بثلاثين ديناراً من الفضة. وتهتم الكنيسة بهذا الأمر وتكرّس يوم الأربعاء على مدار السنة فيما عدا أيام الخماسين، لكى يصوم المؤمنون تذكاراً لهذا التشاور الردىء.

وتطلق الكنائس الغربية على هذا اليوم «جاسوس الأربعاء»، ويُعرَف أحياناً فى الكنائس الشرقية الأرثوذكسية بـ«الأربعاء المقدس أو العظيم»، ووصفت هذه الحادثة فى الأناجيل الثلاثة: متى ومرقس ولوقا.

وفى هذا اليوم، اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب فى دار رئيس الكهنة (قيافا)، وتشاوروا حول كيفية القبض على المسيح لمحاكمته بتهم التجديف -وهو ازدراء الديانة اليهودية- وكانوا يريدون القبض عليه قبل عيد الفصح إن أمكن، خشية من غضب الشعب.

وفى بيت عنيا جاءت امرأة إلى المسيح وهى تبكى ودهنت رأس المسيح بالطيب (الناردين)، وعُرفت عند الكثيرين بالمرأة ساكبة الطيب، وقد تم تحديد هذه المرأة فى إنجيل يوحنا، فهى مريم أخت لعازر، ومن توابع هذا الحدث أن أثار سخط التلاميذ عامة ويهوذا خاصة، حيث رأوا أنه كان من الممكن بيع هذا الطيب الثمين ودعم الفقراء واعتبروا ذلك تلفاً، وذهب يهوذا بعد ذلك إلى «السنهدرين» وعرض عليهم المساعدة لتسليم المسيح فى مقابل المال.

6 خميس العهد

فى هذا اليوم، قام المسيح بتأسيس سر التناول، كما غسل أرجل التلاميذ، حسب إنجيل يوحنا «ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِى مِغْسَلٍ، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِى كَانَ مُتَّزِراً بِهَا». (يو 13: 5)، ليعلم التلاميذ بهذا الاتضاع وخدمة الأكبر للأصغر، ووعظ فيهم بأن يحبوا بعضهم البعض، وتنبّأ السيد المسيح فى تلك الليلة بإنكار بطرس له وخيانة يهوذا، قَائلاَ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِى!»» (يو 13: 21).

أحداث من حياة المسيح على الأرض

ويُعرف هذا اليوم بذكرى العشاء الأخير أو «الخميس المقدس» أو «خميس الأسرار» أو «خميس العهد»، وفيه تناول المسيح العشاء مع تلاميذه الاثنى عشر، تبعاً للتقليد اليهودى، حيث يقيم اليهود حسب شريعة موسى فى هذا اليوم عشاءً خاصاً استذكاراً لذكرى خروجهم من مصر، وبعد هذا العشاء قدّم المسيح الخبز على أنه جسده، وكأس النبيذ على أنها دمه، مؤسساً بذلك القداس الإلهى وسر القربان، أو «التناول»، كما هو معروف فى الكنيسة.

وبعد العشاء، غادر المسيح ومعه التلاميذ إلى خارج القدس نحو جبل الزيتون، حيث كان يمضى أغلب وقته، وفى الجثمانية، أخذ معه بطرس وابنى زبدى، ثم انفرد بنفسه لكى يصلى، وأعلن عن حزنه؛ وعندما فرغ من صلاته، عاد إلى التلاميذ، فوجدهم نياماً، وبعد فترة قصيرة، حضر يهوذا برفقة حرس الهيكل وجند رومان وعدد من الشيوخ، وكانت العلامة المتّفق عليها بين يهوذا والجند، أن من يقبّله يكون هو المطلوب اعتقاله، وبالفعل قبّل يهوذا المسيح، واعتقله الجند، وحاول بطرس الدفاع عنه وقطع أذن عبد رئيس الكهنة، ويُدعى «ملخس»، التى أعادها المسيح بمعجزة، فيما هرب تلاميذ المسيح جميعاً، وتم اقتياده إلى مقر رئيس الكهنة لمحاكمته بتهمة التجديف.

7 الجمعة العظيمة والدفن

فى هذا اليوم حُوكم المسيح 6 محاكمات استمرت لمدة 18 ساعة، حيث تمّت محاكمة المسيح دينياً ومدنياً، طبقاً لما جاء فى الأناجيل، فخضع للمحاكمة الدينية أمام حنان وقيافا، فيما خضع للمحاكمة المدنية أمام هيرودس وبيلاطس، ولأن اليهود لم يكن لهم سلطان على تنفيذ حكم الموت، فهذا من اختصاص الوالى الرومانى، ولأن الوالى لن يحكم على المسيح بالموت بسبب تهمة دينية، فتشاوروا ليقدّموه بتهمة أخرى، وهى أنهم ادّعوا أن المسيح يطلب الملك ويقاوم قيصر، وحُكم عليه بالجلد 39 جلدة والموت صلباً، حسب الاعتقاد المسيحى.

وبعد ذلك أخذه العسكر من دار الولاية إلى الجلجثة، حيث مكان الصلب، حيث عُلق على خشبة الصليب وجعلوا فوق رأسه إكليل شوك ولافتة مكتوباً عليها «ملك اليهود»، ورفض المسيح، وهو على الصليب أن يشرب خلاً لتخفيف الآلام.

ويُعرف هذا اليوم بـ«جمعة الآلام» و«الجمعة العظيمة»، وتمتد صلوات هذا اليوم فى الكنائس الأرثوذكسية من السادسة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، وفقاً للاعتقاد المسيحى.ويلى الجمعة العظيمة احتفال الكنيسة بسبت النور أو الفرح، والذى يبدأ من مساء الجمعة، بالاحتفال بليلة أبوغلامسيس حتى الساعات الأولى من صباح السبت، ثم تصلى الكنيسة قداس عيد القيامة.

تعيش الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلال أيام أسبوع الآلام الخطوات الأخيرة للمسيح على الأرض، بداية من دخوله أورشليم يوم أحد الشعانين، وصولاً إلى الجلجثة يوم الصلب، إذ يحيى الأقباط ذكراه بين السعادة بالاحتفال بالسعف لدخول المسيح أورشليم والحزن فى نهايته لآلام المسيح على الصليب، حسب الاعتقاد المسيحى. وتشترك الكنيسة مع المسيح فى الأيام الـ7 الأخيرة قبل القيامة من خلال البصخة المقدسة، التى تُقرأ فيها أحداث أسبوع الآلام من الإنجيل والألحان الحزينة التى تتخلل أيام هذا الأسبوع، فضلاً عن الزهد الشديد فى الطعام وتعليق الستائر السوداء فى الكنيسة وعدم الصلاة على الموتى.


مواضيع متعلقة