فن صناعة «قِدرة» الفول.. الألومنيوم «عملية» والإستانلس «صحية»

فن صناعة «قِدرة» الفول.. الألومنيوم «عملية» والإستانلس «صحية»
- الأزمة الاقتصادية
- شهر رمضان
- الفول
- صناعة قدرة الفول
- عربات الفول
- فول بالبسطرمة
- طعمية بالموتزريلا
- السحور
- سحور رمضان
- الأزمة الاقتصادية
- شهر رمضان
- الفول
- صناعة قدرة الفول
- عربات الفول
- فول بالبسطرمة
- طعمية بالموتزريلا
- السحور
- سحور رمضان
سيمفونية رائعة من نوع خاص لا تقل طرباً ومتعة عن أشهر المعزوفات الموسيقية، لم يعزفها موسيقار أو ملحن، بل صانع ماهر تخصص فى مهنة فريدة تحتضنها البيوت والورش فوق سفح هضبة المقاولون العرب، فما إن تطأ قدماك المنطقة التى تشتهر فيها صناعة قدرة الفول بجانب صناعات أخرى من المعادن، تجذبك أصوات الطرق على المعادن، حيث تستمتع بعذوبة الصوت عن قرب، وتقف منبهراً أمام فن وصنعة تقوم عليها الوجبة الأشهر فى طعام المصريين وهى «الفول المدمس»، الذى يرتبط دوماً بوجبة السحور.
وفى ورشة مقسّمة إلى أجزاء، يتخصّص عدد من الصنايعية بعمل مهام محدّدة تكمل بعضها فى دائرة متصلة من مراحل صناعة قدرة الفول، فى المقدمة يجلس شخصان فى مواجهة بعضهما لا يفصل بينهما سوى الجزء السفلى من القدرة، يتعهدانه بـ«التطريق» فى حركة ثنائية متتابعة بانسيابية شديدة، طرقة سريعة تلو الأخرى بـ«المربع» يطبع عليها الشكل الدائرى المعهود، ويزيد لمعانها، محدثين صوتاً يطرب الآذان، ليكون الإبداع متكاملاً تراه العين وتسمعه الآذان، ويتذوق طعمها الفن بلمسات من أنامل الصانع الماهر «إيده تتلف فى حرير».
«طه»: أبويا قبل ما يموت وصّاني على الصنعة
صناعة مصرية متكاملة وفن يدوى بالأساس، تدخّلت فيه الآلة مؤخراً، نظراً للتطور التكنولوجى الذى سهّل الكثير من المهام ووفّر الوقت، أسسها أولاد الشيخ منذ ما يزيد على 45 عاماً واستقرت، حيث يسكنون بالمقاولون العرب، ويعمل طه محمد الشيخ فى تلك المهنة التى ورثها عن والده الشيخ محمد مصطفى منذ الـ17 من عمره، ويصنع منتجاً لقدرة الفول لا ينافسه فيه أحد فى السوق: «عملته بكفاح وتحديت نفسى أكون الصنايعى رقم 1 اللى مفيش منه»، فسار على منوال والده: «كنا بنصدر لكل الدول».
لم يعبأ «طه» البالغ من العمر 27 عاماً، بالمهنة عندما كان صغيراً «أيام الحاج كنت صغير، ومش عارف حاجة، ومش حابب الصنعة»، لكن فى أحد الأيام، وتحديداً عام 2010، قال له والده «يوم ما تقف على المخرطة هاديك 50 جنيه»، وفى اليوم الذى فعلها «طه» ونفّذ عدة منتجات سمع خبر وفاة والده: «أبويا قبل ما يموت وصّانى، قال لى خد بالك من ورشتك والصنايعية واتعلم يا ابنى الصنعة»، فتعهده أشقاؤه الكبار بتعليم المهنة المتوارثة: «مالحقتش أبويا فى الصنعة، الفضل يرجع لاخواتى.. ابن أخويا الحاج أحمد سيد هو اللى شرب إيدى فى الصنعة، وإدانى مَلَكة إنى أعمل أحسن حاجة».
«إيد لوحدها ماتصقفش»، حيث تحتاج صناعة قدرة الفول إلى عدد كبير من الصنايعية يغطون المراحل التى تمر بها صنعتها، حيث تبدأ صناعة القدرة فى ورشة أولاد الشيخ من «القُرصة الألومنيوم»، التى تشبه الصينية، وتمر بمراحل متعدّدة يشرف على كل منها صنايعية مختصون، حيث يجرى تسخينها على النار لتهيئتها للمخرطة، وهنا تتكاتف سواعد الصنايعية مع الآلة بسرعة شديدة لتحويل الألومنيوم الساخن إلى قدرة فول على مرحلتين «القعر» و«البوغاز» قبل أن تبرد ويصعب تشكيلها، ليتسلّمها صنايعية آخرون يطرقونها بالمربع ليطبع عليها دوائر صغيرة متتابعة ويزيدها نعومة «ختم البريزة»، ويقوم آخرون بمهمة تركيب الأيادى ونقب البوغاز وتطويقه ولحام الجزءين «القعر والبوغاز» فى بعضهما، وتلميعها ووضع ختم «الشيخ محمد وأولاده» عليها: «ربنا ما وسعهاش عليا غير لما اشتغلت باسم والدى، صاحب فضل عليا وهو عايش وهو ميت».
«عبدالله»: نستخدم خامات مستوردة من أوروبا
شارع واحد يفصل بين مصنع الشيخ محمد مصطفى، ومصنع شقيقه الشيخ عبدالله، الذى توسع أبناؤه فى صناعات الألومنيوم، فلم يقتصر على صناعة قدرة الفول، لا سيما بعد إدخاله أجهزة متطورة لكبس الصناعات المعدنية إلى جانب اليدوى.
يروى محمد عبدالله الشيخ، الذى يدير تلك المصانع عقب وفاة والده، أن «الحاج» بدأ صناعة القدرة فى الثمانينات بمحل صغير فى السبتية، حينها كانت القِدرة تتكون من 6 قطع يجرى تجميعها ولحامها على مراحل، مشيراً إلى السرعة التى يتم بها إنتاج القدرة فى الوقت الحالى: «بنستخدم مكن بلدى مصنعينه بإيدينا من 15 سنة.. النهارده الـ10 قِدر يتعملوا فى يوم واحد».
أهم ما يميز قِدرة الفول التى يصنعها عبدالله الشيخ هو الخامات الصحية المستخدَمة فى التصنيع، إذ يستخدم الاستانلس اتحاد أوروبى «304 بيور»، وهو المناسب للطعام وسبائك الألومنيوم المستوردة: «مش بنستخدم الاستانلس الصينى لو دخل فى صناعة القِدرة خام استانلس 201 أو 202 أو 203 بيعمل سرطان فى الدم»، موضحاً أن منتجاته تخضع لتحليل كشف المعادن من قِبل أجهزة رقابية تابعة للدولة: «بنعمل حاجة نضيفة تتصدّر للعالم كله»، موضحاً أنه ينتج 3 أنواع من القِدرة هى: الألومنيوم المعتادة والأكثر عملية، والاستانلس الأكثر نظافة، لكن تسوية الفول بها دون المستوى «الفولة بتتلسع فيها»، والنحاس وهى الأفضل فى التسوية «الفولة بتطلع منها طرية وجميلة» والأغلى فى قيمتها «سعر الكيلو مصنوع مش أقل من 1000 جنيه».
وتبدأ صناعة قدرة الفول بـ«مكن الكبس» بحذر شديد بإدخال لوح الألومنيوم على آلة المقص، ويتم كبسه بالماكينة المخصّصة، ثم تدخل المخرطة ثم يجهّز «البوغاز» ويجرى لحامها وتشطيبها يدوياً، ويصدّر جزء كبير منها إلى دول الخليج، لكنه فى ظل الأزمة الاقتصادية يواجه عدة مشكلات، حيث تجاوز سعر طن الألومنيوم الخام الضعف فى أيام قليلة: «وصل 154 ألف جنيه، والزبون بقى يشترى المستعمل علشان الشغل الجديد غالى»، إضافة إلى الاستيراد الذى أغرق السوق: «إحنا أول ناس اشتغلت القِدرة، وفيه ناس سرقت شغلنا وعملت له إسطمبات فى الصين بخامات سعرها قليل».