السيدة نفيسة أنيسة المصريين

السيدة نفيسة أنيسة المصريين
- السيدة نفيسة
- أنيسة المصريين
- إطعام المسكين
- أهل البيت
- المصريين
- السيدة نفيسة
- أنيسة المصريين
- إطعام المسكين
- أهل البيت
- المصريين
حياة مليئة بالبركة والمحبة عاشها أهل مصر مستأنسين بالسيدة نفيسة، رضى الله عنها، التى أقامت بينهم 15 عاماً، فقد لمسوا بأيديهم ورأوا بأعينهم كراماتها الوفيرة فى حياتها، وبعد مماتها، وكما يقول المؤرخ المقريزى، فإن قبرها أحد المواضع المعروفة بإجابة الدعاء بمصر.. ولم يزل المصريون ممن أصابته مصيبة أو لحقته فاقة أو جائحة يمضون إليها فيدعون الله تعالى عندها فيستجيب لهم.. وقد جُرّب ذلك، فضلاً عن أن مقامها الطاهر كان قبلة زوار المحروسة الذين يبدأون بزيارتهم له زيارة باقى سلالة آل البيت فى مصر، كما أنه كان قبلة لجماعة من الأولياء والصلحاء، منهم ذو النون المصرى، وأبوزكريا السخاوى، وأحمد بن زروق المالكى، وشيخ قراء مصر الإمام ورش، وأبوالحسن الموصلى، وكثيرون غيرهم.
هى وجدها المصطفى.. كرامات مشتركة
عاشت السيدة نفيسة فى شبابها بجانب روضة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، حيث كانت تذهب إلى المسجد النبوى وتستمع إلى شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه حتى لقبها الناس بلقب «نفيسة العلم».
د. مجدى عاشور، أمين الفتوى السابق بدار الإفتاء المصرية، كشف عن 11 خصلة تجمع السيدة نفيسة بجدها النبى المصطفى، صلى الله عليه وسلم، منها الممات والمولد، كذلك الصفات والخصال.
وأضاف: تزامن شهر ميلادها مع جدها الحبيب المصطفى فى ربيع الأول، فولدت فى الحادى عشر من ربيع الأول، والنبى المصطفى فى الثانى عشر، كذلك عاشت 63 عاماً مثل النبى الكريم، وحينما رزقها الله الخلف الصالح كان أبناؤها بأسماء أبناء رسول الله، حيث سمّت «القاسم» و«أم كلثوم»، وهما اسما ابنين كريمين للرسول، صلى الله عليه وسلم.
أكد «عاشور» أن هناك العديد من الصفات والخصال التى كانت تجمع السيدة نفيسة بجدها النبى، فكانت تداوم على ذكر الله تعالى، خاصة قراءة القرآن، وكانت كثيرة الصيام، حتى إنها انتقلت إلى ربها وهى صائمة، وكانت قوامة لليل دؤوبة فيه، وختمت القرآن لمرات كثيرة، حيث قيل ما بين 170 مرة إلى 3 آلاف مرة، وكانت كثيرة العطاء والكرم، خاصة لليتامى والمساكين، كذلك كانت من كبار أهل العلم، وتحبهم وتوقرهم كالإمام الشافعى، ومن رآها أحبها ولا يريد فراقها كما فعل أهل مصر جميعاً معها، كذلك حسن معاملة المخالف لها فى العقيدة، حيث كان لها جارة غير مسلمة وكانت تحسن معاملتها كما كان يفعل جدها.
حكايتها مع الإمام الشافعى
ذكر نفر من المؤرخين أنه لمّا وفد الإمام الشافعى إلى مصر، توثّقت صلته بالسيدة نفيسة، واعتاد أن يزورها وهو فى طريقه إلى حلقات درسه فى مسجد الفسطاط، وفى طريق عودته إلى داره.
مصطفى زايد، الباحث فى شئون الحركات الصوفية، يقول لـ«الوطن»: يُعتبر الإمام الشافعى أكثر العلماء جلوساً إليها وأخذاً عنها، فى الوقت الذى بلغ فيه من الإمامة فى الفقه مكاناً عظيماً، فقد كان يعتبر مجلسه فى دارها مجلس تعلم عنها، ومجلسه فى مسجد الفسطاط مجلس تعليم الناس.
وأضاف: كان لها دخل كبير فى حضور الإمام الشافعى إلى مصر، ولهذا كان يُكثر زيارتها والتلقى عنها وفى صحبته عبدالله بن الحكم، وكان يصلى بها فى مسجد بيتها، خصوصاً تراويح رمضان، وكانت تقدّره، وتمده بما يعينه على أداء رسالته العلمية الكبرى، وكان الإمام الشافعى فى زمانها إذا مرض يُرسل إليها ليسألها الدعاء، فلا يرجع الرسول إلا وقد شفى الشافعى من مرضه، فلما مرض مرضه الذى مات فيه أرسل إلى السيدة نفيسة يسألها الدعاء كعادته، فقالت: متّعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم، فعلم الشافعى بدنو أجله. وأوصى الشافعى بأن تصلى عليه السيدة نفيسة فى جنازته، فمرّت الجنازة إلى دارها فصلّت عليه مأمومة بالإمام يعقوب البويطى، تنفيذاً لوصيته.
وتابع «زايد» قائلاً: شهدت السيدة نفيسة فى الإمام الشافعى خير شهادة، وحزنت على وفاته حزناً كبيراً، وقالت عنه عبارتها العجيبة المشهورة «رحم الله الشّافعى، فقد كان يُحسن الوضوء»، وهى شهادة تدلّ على فقه السيدة نفيسة، رضى الله عنها، التى أطلقوا عليها لفقهها «نفيسة العلم والمعرفة».
صاحبة الكرامة.. مستجابة الدعاء
«صاحبة الكرامات مستجابة الدعاء، فما دعت لأحد إلا استجاب الله لها»، هكذا كان يلقبها المصريون، حيث إنها كانت امرأة عابدة ومتعلقة وشفافة.
د. على جمعة، مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، يقول فى كرامتها: «كان يأتيها رسول الله كثيراً، وعُرف عنها استجابة الدعاء، وكانت متواضعة للغاية، وكان الناس يحبونها، لأنها كانت مستجابة الدعاء، وكان قلبها معلقاً بالله، لا تريد دنيا أو مالاً أو شيئاً، واستجابة الدعاء كانت تصل إلى حد المعجزات من السيدة نفيسة».
وأضاف: أسلم بسببها 70 ألف يهودى من الطائفة اليهودية وقتها بسبب معجزة بنت قعيدة تعافت من مياه وضوء السيدة نفيسة، وهذه الواقعة مؤرّخة، وكان الناس يأتونها أفواجاً لاستجابة دعائها، وكانت تخصص عيوناً، وكانت تستعمل الكونيات والروحانيات وتدعو الله.
وفى روايات المؤرخين، ومن بينهم سعيد بن الحسن، قال إن النيل توقف عن الزيادة فى زمنها، فحضر الناس إليها وشكوا إليها ما حصل من توقف النيل، فدفعت قناعها إليهم، وقالت لهم: ألقوه فى النيل، فألقوه فيه، فزاد حتى بلغ الله به المنافع.
وكان أهل مصر يشكون إلى السيدة نفيسة انحراف الوالى، فتعظه وتحذّره، وتذكّره بعذاب الله وحقوق النّاس، فلا تزال به حتّى يفىء إلى أمر الله.
وكانت على شىء من طب العيون، تجمع فيه بين الطب المعتاد والطب الرّوحى، فيشفى الله قُصادها، ولهذا كان يهرع مرضى العيون إلى مشهدها بعد وفاتها التماساً للشفاء.
وذكر الشيخ عبدالرحمن الأجهورى فى مشارق الأنوار أن السيدة جوهرة جارية السيدة نفيسة أخذت إبريق السيدة تملأه فوضعته فجاء ثعبان يتمسّح برأسه كأنه يتبرّك به.
بوصية النبى.. عاشت مع أهل مصر ودُفنت بأرضهم
فى العشر الأواخر من رمضان سنة 193 هجرية نزلت السيدة نفيسة، إلى مصر بصحبة زوجها وأبيها وابنها وبنتها، وكان هدف الزيارة هو زيارة من كان بمصر من آل بيت رسول الله، حيث بدأت الرحلة بزيارة بيت المقدس ثم قبر الخليل إبراهيم عليه السلام، وفى العريش استقبلها المصريون أحسن استقبال حيث أنزلها كبير تجار مصر فى داره الفاخرة، ثم انتقلت إلى دار «أم هانئ» ومكثت هناك.
الشيخ خالد الجمل، الداعية الإسلامى وأحد خطباء وزارة الأوقاف، قال لـ«الوطن»: لازمت السيدة نفيسة مصر، وكان المصريون متمسكين ببقائها يلتمسون البركات، وينتظرون الدعوات، وكان زوجها يرغب فى العودة للحجاز بعد زيارتهم لمصر، حيث إن الهدف من الزيارة هو زيارة آل البيت ممن كان مقامهم فى مصر، لكن أهل مصر تمسكوا بوجودها بينهم، وفى تلك الأيام رأت فى المنام جدها المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلم يأمرها بالإقامة فى مصر، فنفذت وصيته فى أهل مصر وبقيت بينهم سنوات عديدة، حيث وهبها والى مصر داره الكبرى بدرب السباع، وحدد لزيارتها يومى السبت والأربعاء من كل أسبوع، مراعاة لصحتها، وتمكيناً لها من عبادتها. وأضاف: أحبها أهل مصر، فملكت قلوبهم، وكانوا يعتقدون فى بركتها، فإذا نزل بأحدهم مرض أو مصيبة يأتون إليها طلباً للدعاء لهم فتدعو الله لهم فهى من أهل التصريف، ومقامها مستجاب فيه الدعاء، فأجرى الله على يديها بدعائها لهم شفاء المرضى، وأقبل المصريون يلتمسون منها العلم النفيس الذى فاقت به كثيراً من علماء عصرها.
«لهم دار السلام عند ربهم».. آخر ما قرأت فى حياتها
بعد وفاة الإمام الشافعى بدأت السيدة نفيسة تعد نفسها للقاء مولاها، فحفرت قبرها بيدها تباعاً فى حجرتها بمنزلها الذى أهداه إليها والى مصر بدرب السباع، وهو الذى أصبح فى ما بعد مشهدها ومسجدها الحالى. الشيخ أحمد البهى، إمام مسجد الإمام على زين العابدين والداعية الإسلامى، قال لـ«الوطن»: كانت تصلى فى قبرها الذى حفرته بيدها فى حجرتها، وقرأت فيه عشرات الختمات من القرآن تبرّكاً واستشفاعاً، بعد أن بناه خير البنّائين، تسابقاً لمرضاتها ليرضى عنهم الله تعالى، وفى يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان سنة 208 هجرية، اشتد مرضها، وقالوا إنها كانت تقرأ سورة الأنعام، حتّى إذا وصلت إلى قوله تعالى: «لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِم» فاضت روحها إلى الرفيق الأعلى. وأضاف: أنشأ قبر السيدة نفيسة أمير مصر عبدالله بن السرى بن الحكم، ثمّ جدّده الخليفة المستنصر بالله الفاطمى، ثمّ بنى قبته الخليفة الحافظ لدين الله الفاطمى، كما بنى الحافظ لكبار الفاطميين فى جوار المشهد مقبرة دخلت فى المسجد الحالى عند توسعته، ثمّ جدّد المشهد الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهو الذى أنشأ المسجد بجوار المشهد، وأسند نظارته إلى الخليفة المعتضد بالله بن المستكفى بالله العباسى، وبعدها جدّد المسجد والمشهد الأمير عبدالرحمن كتخدا، ووقف عليه 450 فداناً، وعدداً كبيراً من الحوانيت والعقارات المختلفة، ثمّ جدّده على وضعه الحالى الخديو عباس حلمى الثانى، ثمّ جدّدته الحكومات المتعاقبة وعملت على توسعته.
أحبها المصريون.. وودّعوها بالدموع والشموع
وصلت السيدة نفيسة إلى مصر يوم السبت 26 رمضان 193 هجرية، واستقبلها كبار رجال المحروسة فى العريش. أجمع المؤرخون على أنها وصلت مصر مع زوجها وأبيها وابنيها لزيارة من كان بمصر من آل البيت، بعد أن زارت بيت المقدس وقبر الخليل، واستقبلها أهل مصر عند العريش أعظم الاستقبال، حتّى إذا دخلت مصر أنزلها السيد «جمال الدين عبدالله الجصاص»، كبير تجار مصر، فى داره الفاخرة، ثمّ انتقلت إلى «دار أم هانئ».
ولمّا أقامت بين أهل مصر أحبوها حباً جماً، وكانوا يلتمسون منها العلم والبركة، ومكثت بينهم نحو 15 عاماً، وكان المتقدمون يبدأون زيارات أهل البيت والصالحين فى مصر بزيارتها، كونها «باب الكرام من سادة آل البيت». وتمكيناً لها من عبادتها كانت تخدمها «زينب بنت أخيها يحيى المتوج»، حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى.
وقالت «زينب» إن عمتها احتُضرت فى العشر الأواسط من شهر رمضان، فما زالت تقرأ القرآن إلى أن وصلت إلى قوله تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ثم غشى عليها فضممتها إلى صدرى فتشهدت شهادة الحق وفاضت روحها، رحمة الله عليها، ووصل زوجها فى ذلك اليوم، فقال إنى أحملها إلى المدينة أدفنها بالبقيع، فاجتمع أهل مصر إلى أمير البلد واستجاروا به إلى إسحاق، ليرده عما أراد، فأبى، فباتوا فى مشقة عظيمة، فلمّا أصبحوا اجتمعوا عليه فوجدوا منه غير ما عهدوه بالأمس، فقالوا له إن لذلك شأناً، فقال نعم رأيت رسول الله وهو يقول لى رد عليهم أموالهم وادفنها عندهم، وذلك فى سنة ثمانٍ ومائتين.
وكان يوم دفنها مشهوداً، وأتوها من البلاد والنواحى يصلون عليها بعد دفنها، وأوقدت الشموع تلك الليلة، وسُمع البكاء من كل دار بمصر.