أحمد الطاهري يكتب: الأستاذ مفيد فوزي.. حكاية رجل أخلص للصحافة

كتب: رنا حمدي

أحمد الطاهري يكتب: الأستاذ مفيد فوزي.. حكاية رجل أخلص للصحافة

أحمد الطاهري يكتب: الأستاذ مفيد فوزي.. حكاية رجل أخلص للصحافة

.البشر هم كنز الرحلة .. رحلة كل إنسان في الدنيا .. وفي مهنة الصحافة رزقنا بكنز كبير تمثل في أجيال متعاقبة من الأساتذة أخلصوا للعمل الصحفي حتى النهاية وانحازوا للمهنة بكل جوارحهم .. جيل عرف قدر نفسه وقدر مهنته وقدر قلمه وقدر رسالته نحو مجتمعه وأمام وطنه ومن قبل كل ذلك أمام الله.

الكتابة انفعال على الورق محكوم بالضمير والمبدأ والمعرفة.. لذا قد تختلف مع كاتب ولكن تصدق صدق سطوره.

هذا الجيل العظيم هو من أعطى الزخم لوصف الأستاذ الكبير محمد التابعي للصحافة بأنها (صاحبة الجلالة) ثم دفعوا لكي تصبح وتظل (السلطة الرابعة) في وجدان الأمة.. الجورنالجية الذين لا يمتلكون من حصاد حياتهم إلا سيرة وطن وثقوها حسب قناعتهم وتركوها لمن بعدهم ويأمل كل منهم عند انتهاء رحلته أن يكون أدى أمانته وبلغ رسالته.. الأستاذ مفيد فوزي لا ينتمي فقط إلى هذه الأقلام الكريمة.. أقلام الماس في عقد الصحافة المصرية والعربية.. ولكنه جوهرة استثنائية صعب تكرارها.

كان لي شرف الأحاديث والحوارات الكثيرة والمباشرة والممتدة على مدى 17 عاما مع الأستاذ مفيد فوزى.. بعضها صحفية وبعضها إذاعية ومعظمها شخصية.

ارتبط الأستاذ مفيد بوالدته ارتباطا شديدا.. هذا الارتباط حدد محورية المرأة في سلامه النفسي.. امتد هذا الارتباط من الأم إلى زوجته الإذاعية الكبيرة آمال العمدة وصولا إلى ابنته الزميلة الراقية الكاتبة حنان مفيد فوزي.

في أحد الأحاديث اعترف لى الأستاذ مفيد ان نجوميته أخذت من حظ نجومية زوجته وابنته ولكن بقدر ذلك لأن أمال العمدة إذاعية من طراز رفيع وقلم حنان مفيد يعبر ويعلن عن قيمته.

ما بين اسطورة إحسان عبد القدوس و عبقرية أحمد بهاء الدين وعظمة محمد حسنين هيكل تشكل الجين الصحفي لمفيد فوزي اذا جاز التعبير.

تشرب الصنعة من الأستاذ احمد بهاء الدين مع بداية تعينه في مجلة صباح الخير عام 1957 بعد زيارته للسيدة روزاليوسف وقدمه إليها الأستاذ إحسان عبد القدوس وكانت السيدة روزاليوسف تعاني من كسر في القدم وطلب منه الأستاذ إحسان أن يكتب كلمة على الجبس فكتب اسمه بحجم كبير وارفق عليه جملة (بنط 18) في إشارة إلى حجم اسمه الصحفي الذى سيكون.

في بداياته كان مفتونا بأسلوب الأستاذ هيكل بل ذهب إلى تقمصه وتقليده فنهره الأستاذ أحمد بهاء الدين وقال اخلق أسلوبك عندنا هيكل واحد.. وقد كان.

أخذ من الأستاذ إحسان عبد القدوس انفتاحه على الفن وقضاياه ونجومه واصبح متداخلا معهم إلى حد بعيد تصفه حواراته مع نجوم الفن المصري والعربي.

مع انطلاقة التليفزيون المصري في الستينات بنى مفيد فوزي مجدا خاصا، مجد صانع المحتوى التليفزيوني والإذاعي، وقام بإعداد العديد من البرامج بالغة التميز التي يشار اليها إلى اليوم كمرجع تليفزيوني وإذاعي.. انطلق في الإذاعة في السبعينات.. عشقه لفيروز أغضب السيدة أم كلثوم وتعرض بعدها لمتاعب مهنية ولكنه عاد وانتصر.

مع الثمانينيات ظهر حضوره الصحفي والتليفزيوني ككاتب ومحاور يمثل رقم بالغ الأهمية في المعادلة الإعلامية المصرية وتولى بعد ذلك رئاسة تحرير مجلة صباح الخير ليجلس على مقعد أستاذه أحمد بهاء الدين ويصنع تجربته كما طلب منه وبعد 8 سنوات من رئاسة تحرير صباح الخير.. ابتعد قليلا ثم عاد وانتصر مجددا.

في مطلع التسعينيات استلهم وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف تجربة برنامج انجليزي يرصد أحوال الشارع وتجربة برنامج أمريكي صباحي لتطوير المحتوى البرامجي في التليفزيون المصري.. وقد كان برنامج (صباح الخير يا مصر)، وأسند إلى العظماء أحمد سمير ومحمود سلطان في بدايات البرنامج، وتم اختيار الأستاذ مفيد فوزي لبرنامج أصبح أيقونة في الصحافة التليفزيونية وهو (حديث المدينة).

في برنامج حديث المدينة لعب الأستاذ مفيد فوزي أكثر من دور، مارس من خلال هذه الأدوار كل فنون العمل الصحفي في قوالب تليفزيونية مختلفة، لعب دور المحقق الصحفي الذى يبحث عن إجابة عن سؤال يفك لغز يبحث عن أسراره الرأي العام، لعب دور مواجهة المسؤول على نمط البرنامج الأمريكي الشهير (واجه الصحافة) لعب دورا كانت تقوم به الأستاذة الكبيرة آمال فهمي في الإذاعة من خلال برنامجها الشهير (على الناصية) من خلال رصد نبض الشارع والتفاعل المباشر مع المواطنين.

ثم انتقل بعد ذلك إلى مرحلة المحاور الأهم، وهي منطقة قريبة من هالة الأستاذ محمد حسنين هيكل الصحفية عندما أصبح محاور الرئيس وكبار المسؤولين.

بعد العام 2005 تغيرت التركيبة الإعلامية مع تغير التركيبة السياسية.. ابتعد قليلا ثم عاد مجددا من خلال برنامج القاهرة اليوم وكانت إطلالته بجوار الأستاذ عمرو أديب لها رونق خاص.

بعد العام 2011 احتفظ مفيد فوزى باحترامه لنفسه ولقلمه ولقناعته لم يركب الموجة، لم ينحاز إلى الفوضى، لم يذم في عهد سابق حصل فيه مفيد فوزي على التحقق الكامل ولكنه في الوقت نفسه لم ينكر خطأ ولم يكابر في مراجعة بعض المواقف.. ثم ابتعد قليلا وعاد بعد استعادة الوطن مع ثورة يونيو العظيمة عام 2013.

عاد التوهج الكامل لقلمه الذي لم يتوقف عن الكتابة منذ العام 1957 وحتى شهر واحد مضى كنا ننتظر فيه مقالاته هنا في روزاليوسف، ونمني أنفسنا كل أسبوع أن يكون الاعتذار الذي نقدمه للقراء هو الاعتذار الأخير وأن يعود الأستاذ مفيد للقراء ولبيته الذي أعطاه كل شيء روزاليوسف.. ولكن أتم القلم رسالته مخلصا للصحافة وللمجتمع وللوطن بضمير يقظ تاركا سيرة مدرسة صحفية مستقلة اسمها مفيد فوزي.

وداعا.. أستاذ مفيد.. تلميذك أحمد الطاهري الذى تشرف بالعمل معك.. من افتتاحية العدد الجديد لمجلة روزاليوسف.


مواضيع متعلقة