محمود سلامة يكتب: تأثير التغيرات المناخية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مصر

كتب: رنا حمدي

محمود سلامة يكتب: تأثير التغيرات المناخية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مصر

محمود سلامة يكتب: تأثير التغيرات المناخية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مصر

تمثل التغيرات المناخية أحد أبرز المعوقات أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة خاصةً في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل بسبب ما تفرضه من ضغوط إضافية على اقتصادات تلك الدول التي تعاني بفعل الأزمات التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة؛ وترتبط التغيرات المناخية بمعظم أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2015 التي مثّلت أحد الأسس التي ارتكزت عليها رؤية مصر 2030، وتنعكس الجهود المبذولة للحد من الآثار السلبية للتغيرات المناخية على التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف تنموية مثل القضاء على الجوع والفقر المدقع، وتحسين الصحة، وضمان استدامة المدن والمجتمعات المحلية.

تقديرات الآثار السلبية لتغير المناخ على مصر بحلول 2030

لخّص العديد من الدراسات الدولية والمحلية أبرز التغيرات المناخية في 4 أشكال، هي: «الزيادة المطردة في درجات الحرارة، وارتفاع مستويات مياه البحر، وتغير أنماط سقوط الأمطار، وازدياد وتيرة الكوارث المناخية» بما يؤثر في المقام الأول على الأمن الغذائي بسبب تقليل مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وحجم إنتاجيتها من المحاصيل، ونقص إمدادات المياه، وهجرة العاملين في القطاع الزراعي، وتُشير بيانات المنظمة الحكومية لتغيُّر المناخ والتي تضم في عضويتها 195 دولة إلى الآثار المتوقعة للتغيرات المناخية على مصر كما يلي:

- من المؤكد ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر بمعدل يتراوح بين 0.1 و0.9 متر.

- من المحتمل ارتفاع درجات الحرارة بمعدل 1.4 إلى 5.8 درجة مئوية.

- قد تشهد منطقة البحر المتوسط انخفاضًا في معدلات هطول الأمطار.

- من المحتمل أن يشهد فصل الصيف زيادة معدلات الجفاف.

وستُؤثّر العوامل سالفة الذكر بالسلب على إنتاجية الأراضي الزراعية من محاصيل حقلية مثل القمح والذرة والأرز وقصب السكر؛ فعلى سبيل المثال، ستقل إنتاجية القمح بنسبة 9% عند ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين فقط، و18% عند ارتفاعها بمقدار 3.5 درجة، كما سيزداد الاستهلاك المائي لزراعة القمح بنحو 2.5%، الأمر الذي سيُؤدّي إلى ارتفاع فاتورة استيراد الاحتياجات المحلية من تلك المحاصيل.

علاوةً على ذلك، فإنّ احتمالية نقص إمدادات المياه العذبة الواردة من دول منابع النيل قائمة بسبب الارتفاع المُتوقّع في درجات الحرارة في تلك الدول، وما يصحبها من ارتفاع في معدلات البخر، كما أنّه من المتوقع أن يؤدي التغيُّر في نمط الأمطار إلى نقص المياه خاصةً في المناطق الساحلية، وأن تتدهور جودة المياه بسبب الزيادة في الملوثات الصناعية، وزيادة ملوحة التربة نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر؛ ويمتد تأثير التغيرات المناخية؛ ليشمل البنية التحتية في المجتمعات الحضرية والريفية على حد سواء.

على ذلك، فإنّ حدة التغيُّرات المناخية من شأنها أن تؤثر على التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتمثّلة في القضاء على الجوع بسبب النقص المتوقع في إنتاجية المحاصيل الزراعية المختلفة، والقضاء على الفقر المدقع بسبب التغيُّر المتوقع في مستوى الدخل لقطاع كبير من العاملين في الزراعة، وضمان الصحة الجيدة والرفاهية بسبب إمكانية انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة تلوث المياه أو نقص كمياتها، وضمان استدامة المدن والمجتمعات المحلية نتيجة الآثار السلبية على البنية التحتية.

فعالية الجهود المصرية لمواجهة تغيُّرات المُناخ

تنبّهت الدولة المصرية لمخاطر التغيُّرات المناخية، وبدأت في اتخاذ الإجراءات اللازمة؛ للحد من آثارها السلبية منذ ما يقرب من 10 سنوات، حين أطلقت الاستراتيجية الوطنية لتغيُّر المُناخ منذ 2015، وقد ركّزت تلك الاستراتيجية في هدفها الثاني على بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغيرات المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بها، حيث ركّزت على ضرورة حماية المواطنين من الآثار الصحية السلبية لتغير المناخ من خلال تحسين الخدمات الصحية وتوفير البنية الأساسية المناسبة لتقديمها للأفراد والمجتمعات المستهدفة إضافة إلى تطوير ودعم الخدمات الوقائية وتدشين منظومة للإنذار المبكر والتنبؤ الوبائي.

وشملت الجهود المصرية أيضًا الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتعظيم الاستفادة منها من خلال وضع سياسات لتقليل الفاقد من الموارد المائية، وتطوير أنظمة الري وأنظمة حصاد وتجميع الأمطار وزيادة تغطية خدمات الصرف الصحي والصناعي في المناطق المختلفة، وتنمية موارد مائية غير تقليدية؛ ولم تغفل الدولة تقليل الأضرار المحتملة على أصول الدولة والنظم البيئية من خلال إقامة مجتمعات التنمية الجديدة بعيداً عن النقاط الأكثر عرضة لتأثيرات المناخ.

أخيراً، تركّزت الجهود المصرية في ضمان وجود بنية تحتية وخدمات تتّسم بالمرونة في مواجهة التغيُّرات المُناخية، حيث ركزت الدولة المصرية على حماية الأراضي المنخفضة في المناطق الساحلية، وتحسين أنظمة وخدمات المياه والصرف الصحي في المناطق المحرومة والأكثر عرضة للتغيرات المناخية، وتحسين جودة الطرق بالشكل الذي يضمن تحملها آثار درجات الحرارة المرتفعة والسيول؛ وامتدت الجهود لتشمل إنشاء نظام إنذارٍ مبكرٍ بهدف الحد من مخاطر الكوارث، والتركيز على أنشطة رفع الوعي المجتمعي بمخاطر تغيرات المناخ.

من كل ما سبق، يُمكن القول إنّ على الرغم من الآثار السلبية المحتملة للتغيرات المناخية على تحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة في مصر بحلول عام 2030، فإنّ الدولة المصرية وضعت الخطط وأطر العمل اللازمة، بل وبدأت في التنفيذ الفعلي لها للحد من تلك الآثار السلبية منذ 2015 بشكل وضعها في موضع إشادة من قِبل المنظمات الدولية المعنية بتغيرات المناخ.

باحث ببرنامج السياسات العامة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية


مواضيع متعلقة