نيرة.. والثورة.. والحوار! (1)
للوهلة الأولى قد يبدو عنوان المقال ملغزاً، وقد يحسب البعض أننى أفتعل رابطاً بين الكلمات الثلاث، ولكن دعونا نتأمل ما نراه من مشاهد علّها تفسر أولاً أسباب تلك الحملة اللامنطقية لدفع دية وصلت إلى ملايين الجنيهات لأسرة الطالبة الراحلة نيرة أشرف، وتؤكد ثانياً أهمية ثورة 30 يونيو فى تاريخنا الحديث، وتكشف ثالثاً ما كان يمكن أن يكون عليه الحوار الوطنى الذى نحن بصدده الآن، لو لم يقم المصريون بإسقاط حكم الجماعة الإرهابية.
حملة جمع الدية لإنقاذ رقبة قاتل نيرة أشرف يقف وراءها «متأسلمون» يريدون هز ثقة المصريين فى منظومة العدالة، وإسقاط هيبة القانون الوضعى -كما يصفونه- الذى لا يتضمن بين نصوصه الإشارة إلى دفع الدية مقابل العفو عن القاتل، وهى حملة تشير إلى بقايا فكر سلفى ما زال يحاول اختراقنا، وتؤكد أن ذلك الفكر الرجعى لن يسود، بدليل رد الفعل المجتمعى الواسع المتمسك بتطبيق القانون كما هو، لمحاكمة القاتل، وهذا ينقلنا مباشرة إلى أهمية ثورة 30 يونيو فى إنقاذنا من أسوأ نظام حكم، كان سيعود بمصر عدة قرون إلى الوراء، ودعونى أتذكر معكم ما حدث مساء يوم الاثنين 12 مارس 2012.
فى تلك الليلة ناقشت لجنة الاقتراحات والشكاوى فى مجلس الشعب، مشروع قانون «حد الحرابة» المقدّم من نائب حزب النور السلفى عادل العزازى، ويطبّق حد الحرابة، على جرائم المجاهرة بأخذ المال أو القتل، أو أى جناية معتمدة على القوة بإشهار السلاح أو نزع الممتلكات.
وتنوعت العقوبات حسبما جاء فى مشروع القانون، بين الإعدام قتلاً إذا كانت الجريمة هى القتل، وقطع الأيدى والأرجل من خلاف إذا كانت الجريمة متعلقة بالاستيلاء على المال أو الممتلكات، وإذا صاحب جريمة الاستيلاء على المال القتل تكون العقوبة هى القتل أو الصلب، حسبما يرى القاضى.
ونصت المادة الأخيرة من مشروع القانون على سقوط حد الحرابة فى حق من يعلن توبته من الجناة ويسلّم نفسه للعدالة، وتبقى حقوق المجنى عليهم فى المطالبة بها إذا كانت الجناية متعلقة بالأموال، ويتم تخييرهم بين القصاص أو الدية أو العفو إذا كانت الجناية القتل.
قدم «العزازى» مشروعه، قائلاً: إنه شرع الله ولا خيار لنا فى تطبيق شرعه وحكمه، كما قال تعالى «إن الحكم إلا لله». وأضاف: إن بعض الناس لا يأتون إلا بالعقاب الرادع، والعقوبات الوضعية فى القوانين الحالية غير رادعة. وأشار إلى تدنى نسبة ارتكاب الجرائم فى المملكة العربية السعودية التى تطبّق حد الحرابة، مقارنة بالدول الأخرى.
واحتشد عدد من نواب حزب النور -من غير أعضاء اللجنة- لتأييد زميلهم، وقال النائب (السلفى) إبراهيم راغب: إن تطبيق حد الحرابة سيعيد الأمان إلى البلدة المباركة (مصر).
وقال سلفى آخر هو النائب محمود غريب إن القانون هو النبتة الأولى لمجلس الشعب لتطبيق شريعة الله فى الأرض، وإن المصريين أعطوا أصواتهم للإسلاميين لهذا المقصد. وأكد: سنواصل تقديم بقية مشروعات القوانين لتطبيق بقية الحدود.
وحضر النائب الإخوانى جمال حشمت خصيصاً للمشاركة رغم أنه كان عضواً بلجنة الصحة، وأشاد بمشروع القانون، ولفت إلى قيام مجلس الشعب برئاسة الراحل الدكتور صوفى أبوطالب (4 نوفمبر 1978 - 4 نوفمبر 1983)، بتشكيل لجنة لإعادة صياغة مشروعات القوانين لتتطابق مع نص المادة الثانية من الدستور، وأنجزت اللجنة 7 مجلدات، واتهم «حشمت» الدكتور فتحى سرور، رئيس المجلس السابق بإخفاء تلك القوانين عمداً، وقال إن بعضها تم العثور عليه ويمكن الرجوع إليه.
أنقذتنا الثورة من منظومة قوانين رجعية كان سيتم سنها بحجة مطابقة الشريعة، وفى ظلها كان يمكن لأى حوار وطنى أن ينجرف إلى مسار آخر، وبدلاً من التفكير فى الانطلاق بمصر للمستقبل كدولة مدنية ديمقراطية حديثة كما نريد الآن، كان الحوار سيتم حول فهم هؤلاء «المتخلفين» للشريعة، وكيف ندعم ارتباطنا بالسلف الصالح من دعاة العلاج ببول البعير، وإرضاع الكبير.
وللحديث بقية.