هجرة وطن حتما سيعود.. "قصة قصيرة"
![هجرة وطن حتما سيعود..](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/287356_Large_20141125050928_21.jpg)
"نعم أنا بخير أم عبد الرحمن لا تقلقي فالأمور هنا على أحسن مايرام ".. هكذا أنهى رسالته لها.. آخر شئ وصل منه تعودت قرائتها كل يوم لعلها تجد فيها الأمل لرجوعه طوت الرسالة ووضعتها جانبا، مضى على غيابه عامان من قبل ولادة الابنة الصغرى ومن وقتها وانقطعت أخباره، منذ رحيله ووقع على كاهلها مسؤلية أبنائها نظر لها عبد الرحمن؛ أمى متى يعود أبى؟.. قريبا يا بنى.. ولكن لماذا تنظرين إلى هكذا؟.. تعرف أنك تشبه كثيرا يا عبد الرحمن.. حقا يا أمى؟.. بلى.. لماذا لا توجد لدى صورة له؟ ألم يبعث بصورة لى؟.. لا توجد سوى هذه الصورة من زفافى، ولكنها قديمة.. نعم أعرف فقد مضى عليها 10أعوام.. تأملت حالها وكيف تقدم بها العمر سريعا أهذه أنا فعلا، تأملت قسمات وجهها بدت فى الأربعين وهى لم تتخطى الثلاثين بعد، رثت على حالها تلطمت بها الحياة رأت مالم تراه فتاة فى سنها من تحمل مسؤلية ورحيل زوجها حملها الزمن عبأ أكبر من كاهلها حتى خارت قواها ولم تعد قادرة.. فرحها الوحيد فى أولادها.
ذوي العشر سنوات والابنة الصغرى هند ذات العامين أحسنت تربيتهم وتعليمهم اضطرت للعمل لتؤمن لابنائها العيش، عبد الرحمن له ذكريات بسيطة مع والده يتذكر ملامح وجهه، وصوته الذى سمعه بعض المرات كان يتمنى أن يقابله تقول أمه دائما أنت تشبهه فى كل شئ، كست التجاعيد وجهها وتخطى الشعر الأبيض رأسها فتولى عبد الرحمن العمل مكانها وهو فى عامه الأربعة عشر، بدأ بمزاولة أعمال بسيطة.. مازال يتعلم وخضام الحياة ستعلمه الكثير، عاش فى بيت صغير هو وأمه وأخته الصغرى، بيت صغير دافئ تحوطه أرض صغيرة بدأ بزراعتها كان يريدها بستان زهور انتظر نموها بفارغ الصبر، فكان يتخيلها كالجنة، بلاده كانت فى عينه جنة رغم قيود الاحتلال وتقييده لحريتهم فطالما سمع من جده عن ظلمهم واعتدائهم على أهل بلدته وكيف كانت من أجمل القرى ولكنها وبوجودهم أصبحت على ماهى عليه الآن ومن يقف أمامهم أو يعترضهم تصيبه نيران بنادقهم، أهلها يغطون فى الفقر والجهل فقد هدمت المدارس فلا مجال للتعليم سوى بعض المجهودات البسيطة فى المنازل ورغم ذلك حيا الأمل فى نفسه أن تعود قريته كما كانت وتتخلص بلاده من احتلالها.
جاء قرارهم بضرورة الإخلاء صارما، لا تهاون فيه، وما عليهم سوى التنفيذ وماذا أمامهم غير ذلك لامفر من التنفيذ وضعوهم أمام الأمر الواقع، أيتركون أرضهم منشأهم ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وأى مستقبل هو هذا فى بلد غير بلدهم ويتركونها لمن!! لمن ليسوا حق لها، وأين سيذهبون فلا وجود لمكان آخر.. أخذت جولة فى البيت وكأنها تودعه فكل جزء وكل ركن له حكاية وذكرى جميلة منذ زواجها إلى ولادة أبنائها.
استعدت أم عبد الرحمن للرحيل ورضخت للأمر، حملت كل ماتستطيع حمله ووضع عبد الرحمن أخته على العربة، ولحقته أمه، سألها عبد الرحمن؛ أيعقل أن نترك أرضنا يا أمي؟.. وماذا بيدنا لنفعله يا بني.. وإلى أين سنذهب؟ سنتجه شرق البلاد فالوضع آمن هناك أكثر.. وأبي؟.. كيف سيصل لنا؟.. سيعود بإذن الله.. " اااااااااه أين أنت أيها الغائب ألم يرهقك الفراق أم اعتدت غايبنا "، انتبهت إلى عبد الرحمن بنى أتبكى؟.. نعم يا أمى سأشتاق لبيتي كثيرا.. سأشتاق لجيراني وأصدقائى ومدرستى ومعلمتى .. لا أريد أن أرحل؛ ومن سيعتنى بحديقتي فأنا انتظر نموها بفارغ الصبر، ضمته إلى صدرها والدموع محبوسة فى عينيها، أنا أيضا سأشتاق لبلدي، يعلم الله كيف أشعر الآن ولكن ما باليد حيلة، من نحن لنقف أمامهم أو نعترض، عشنا دائما على هامش الحياة لا حق لنا فى شئ فلنحمدالله أننا نعيش..
تحركت العربات هم وجيرانهم حملت بهم وبأشيائهم، مخلفين ورائهم الماضى فى طريقهم للمستقبل المجهول..
سأل عبد الرحمن أمه : أمى أسنعود يوما ما؟؟ نظرت إلى البيت من بعيد نعم بالتأكيد في يوم ما سيعود الحق لأصحابه بإذن الله..!