علا الشافعي تكتب: هل نجح العرب في امتحان «الحب» على «نتفلكس»؟

علا الشافعي تكتب: هل نجح العرب في امتحان «الحب» على «نتفلكس»؟
لحظات إنسانية في الحياة تجعلنا نقف ونطرح الكثير من الأسئلة حول معنى الحب والونس والخوف وحتى القهر الذي يتخلل الأيام ونعاني منه مع اختلاف المستويات والتوجهات، الحب الذي يجعلنا نستطيع أن نواصل حياتنا مهما كانت الظروف، الحب بمعناه المفتوح والواسع بعيدًا عن حب رجل لامرأة، تلك المعاني كانت عنوانًا عريضًا لوثائقي بعنوان «في الحب.. والحياة» سيعرض على منصة «نتفلكس» في الـ10 من مارس الجاري، أتيحت لي مشاهدته منذ أيام.
يجمع هذا الوثائقي عددًا من المخرجين المصريين والعرب من أصحاب التجارب السينمائية المتنوعة والأساليب الفنية المختلفة، كل منهم اختار لحظته الإنسانية الخاصة ليطرح مفاهيمه ورؤيته لمعان ومفارقات كثيرة نعيش في ظلها.
8 أفلام قصيرة منفصلة تعكس تلك الحالات الإنسانية في إطار درامي من 6 دول عربية مختلفة وهي «مصر، وتونس، والمغرب، وفلسطين، والسعودية، ولبنان».
تحمل الأفلام القصيرة توقيع كل من المصريين خيري بشارة وساندرا نشأت بصال، والتونسية كوثر بن هنية، والفلسطينيين هاني أبو أسعد وأميرة دياب، واللبناني ميشيل كمون، والسعوديين محمود صباغ وعبدالمحسن الضبعان، والمغربي هشام العسري. والسلسلة فكرة الكاتبة المصرية عزة شلبي، وتدور أحداث الأفلام الثمانية في يوم واحد وهو عيد الحب.
الأفلام الثمانية تتفاوت مستوياتها سواء على مستوى النص الدرامي أو الرؤية البصرية، وإذا كانت المخرجة المصرية ساندرا نشأت قد انتصرت لمعنى إنساني شديد الرحابة من خلال قصة فيلمها «أخويا»، سيناريو وحوار رفيق مرقص، وبطولة أحمد عز، وبسنت شوقي، وصلاح عبدالله، وأدهم حسام، وتدور أحداثه حول «دياب» يجسّده أحمد عز يعمل في صناعة طوب البناء بقريته الصغيرة، يرتبط بقصة حب بشروق ابنه العمدة المدرسة في مدرسة القرية ولكنه يخشى الزواج منها لأن لديه شقيق من ذي الاحتياجات الخاصة، ويخشي أن ينجب طفلًا مثل شقيقه يعيش في وسط مجتمع لا يفهم اختلافه بل في بعض الأحيان يسخر منه.
الفيلم مليء بالمفارقات الإنسانية سواء في علاقة «دياب بشقيقه» أو علاقته بـ«شروق» حبيبته وعلاقة «شروق» بوالدها العمدة التي تتسم بالتحضر، وفي يوم عيد الحب تقرر «شروق» الارتباط بعريس متقدم لها، ولكن شقيقه الأصغر «فارس» المختلف وشديد الذكاء يصنع خطة ليجمعهما سويًا، والحقيقة أن الطفل الذي قام بدور «فارس» المنتمي لذوي الاحتياجات الخاصة من أكثر الممثلين اللافتين في هذا الفيلم، بل أن وجوده على الشاشة يمنحها سحرًا خاصًا إضافة إلى سرعة بديهته وحيويته في المشاهد التي جمعته بالنجم أحمد عز.
أما الفلسطيني هاني أبو أسعد ومعه أميرة دياب فقد أخرجا قصة بعنوان «كازوز» تأليف أميرة دياب ومن إخراج الإثنين ومن بطولة عامر حليحل، وشادن قنبورة، سامر بشارات، سيناريو الفيلم ينطلق من فرضية درامية «ماذا لو انقلب حفل زفاف إلى مأتم أو العكس؟»، و«كيف يتحول كل الموجودين سواء أصحاب المناسبة أو القائمين على تنظيمها بالتحول بهذه السرعة بين لحظتين متناقضتين من الفرح والزغاريد إلى البكاء والعويل؟».
العروس التي تنظر عريسها في «كوشة الفرح» وتأخره على موعد الزفاف لإصرارها على أن يذهب إلى القدس ويحضر لها دب أحمر كبير ليكون ذكرى احتفالهما بزواجهما يوم عيد الحب، وهناك الشقيق الذي يرغب في تزويج شقيقته بأقصى سرعة وبأقل إمكانيات ليرتاح من همها وخلافاتها المستمرة مع زوجته، وهناك أيضًا صاحب السيارة النقل الكبيرة المتنقلة الذي يحمل «الكازوز» ومستلزمات الزفاف، وصانع الأكل، والمتطرفين الذين يرفضون فكرة الاحتفال بعيد الحب، كيف ستتحول كل هذه التفاصيل إلى صورة قاتمة ومفارقات شديدة السخرية تثير الضحك والبكاء في نفس الوقت وهو من أكثر الأفلام الثمانية التي تحمل تكثيفًا فنيًا.
وعن معنى الحب يطرح المخرج اللبناني الموهوب ميشيل كمون تساؤلات عدة عن ماهية الحب من خلال فيلمه «قلب أحمر كبير» وهل يجسّد ذلك القلب الأحمر الكبير المحشو بشكل مبالغ فيه الحب، هل قصيدة مليئة بكلمات رنانة حول الحب يلقيها عاشق بدرامية مبالغ فيها يجسّد هذا المعنى، هل العقل يحب أولا أم القلب هو الذي يدق إيذانًا بقدوم الحب، هل هناك إجابات واضحة، أم أننا نرى تلك المعاني من خلال قصص نسمع عنها أو نرى بعضا من تفاصيلها؟ ونحن هنا أمام عامل توصيل في طريقه لتسليم «قلب أحمر كبير» من رجل عاشق يرغب في صلح حبيبته يوم عيد الحب، ليس ذلك فقط بل أن هذا الرجل يكلفه بإلقاء قصيدة على مسامع حبيبته إيمانًا منه بالطريقة القديمة وأن لها مفعول السحر فقط ومن خلال رحلة ذلك العامل التي تمتلئ بالتشويق والإثارة خصوصًا في ظل مغامرته بعد أن طار منه القلب على الطريق، وكيف صمم على استرداده حتى لا يفقد عمله، والنماذج التي صادفها وهي نماذج إنسانية شديدة التباين.
الفيلم مكتوب بحرفية شديدة ولقطات شديدة الذكاء استطاع المخرج من خلالها أن يطرح الكثير من المعاني التي تحتاج للتفكير والتساؤل حولها ولم يغب عنه أيضًا الحس الكوميدي. فيلم «أحمر كبير» تأليف وإخراج ميشيل كمون، بطولة إيلي نجيم، وريتا حايك، وفادي أبي سمرا.
وإذا كان المخرج السعودي عبدالمحسن الضبعان قد اختار طرح تساؤلاته عن الحب والحياة من خلال أسلوب فني يعمد إلى التشويق والكوميديا المبنية على مفارقات مكتوبة بحرفية شديدة وعناصر متميزة في فيلمه «الأعشى» تأليف محمد آل حمود، وعبدالمحسن الضبعان ومن إخراجه أيضًا، وبطولة مشعل المطيري، وريم الحبيب، إلا أنَّ المخرج السعودي محمود الصباغ قد اختار لحظات من الحنين لزمن مضى والعصر الذهبي للفنون في جدة عندما كانت هناك استوديوهات لتسجيل الصوت، ونحن أمام مهندس صوت ينتمي لهذا الزمن أو لنكن أكثر دقة لم يخرج من جنباته؛ عاصر كل نجوم الطرب الكبار ووقع في حب «وردة» عندما جاءت إلى استوديو «العمارية» الذي يملكه حب صامت من طرف واحد، ومن خلال هذا المكان نتعرف على الرجل الصامت الذي يخشى النور ولديه حساسية خاصة وكيف يلبي بعض طلبات الشباب عندما يأتون إلى الاستوديو الخاص به لعمل أشياء سريعة على اليوتيوب، ولكن الحدث الحقيقي يأتي مع قدوم المطربة الشابة «ورد»، إذ نجد أنفسنا أمام شخصين تائهين بين الحب والكره وكلاهما يبحثان عن الاحتواء.
أما أفلام المخرج المبدع خيري بشارة، والتونسية كوثر بن هنية، والمغربي الفذ هشام العسرى تستحق التوقف عندها بالتفصيل في مقال آخر.