محركات البحث «المعرفية».. ثورة جديدة فى السياحة والسفر

محركات البحث «المعرفية».. ثورة جديدة فى السياحة والسفر
حينما دخل «التلغراف» عالم السياحة والسفر فى سبعينات القرن الماضى وجرى استخدامه فى حجوزات الفنادق للسائحين والمسافرين عبر القارات قبل بدء سفرهم، اعتبر ذلك تغييراً جذرياً تحدثه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى صناعة السياحة والسفر، وبمرور الوقت توسع دور التكنولوجيا والاتصالات فى صناعة السياحة والسفر محدثاً بها قفزات متتالية، انتقلت من توفير بعض المعلومات الجامدة على مواقع إلكترونية تعرض صوراً مصحوبة ببعض البيانات، إلى وضع نظم الحجز والإدارة الداخلية للمنشآت السياحية ووكالات السفر وشركات الطيران والملاحة البحرية وغيرها على الإنترنت، لتوفر خدمات تفاعلية، تستخدم فيها صنوف شتى من الأدوات والبرمجيات والنظم، وتسمح بتخطيط للرحلات وتنفيذ الحجوزات والدفع الإلكترونى وغيرها، واليوم تقف صناعة السفر والسياحة مجدداً على بداية قفزة أو ربما «ثورة جديدة»، تنتقل بها إلى مرحلة «الإرشاد اللحظى» الإلكترونى السلس المتواصل، الذى يقدم خدمات تتغير بلا انقطاع، طبقاً لتغير تحركات ورغبات وأهداف السائح أو المسافر والظروف المحيطة به لحظة بلحظة، وكلمة السر فى هذا التطور الكبير ستكون «محركات البحث المعرفية».[FirstQuote]
محركات البحث المعرفية جيل جديد من أدوات التعامل مع البيانات والمعلومات، تستند إلى تكنولوجيا بازغة يطلق عليها «الحوسبة المعرفية»، وهى تكنولوجيا صممت للتعامل مع المواقف والمشكلات المعقدة التى تتصف بالغموض والشك والتغير، ومن ثم فهى تتعامل مع المشكلات والمواقف ذات الطابع الإنسانى الذى يتصف بالديناميكية والمعلومات الغنية المتغيرة بصورة متكررة ومتعارضة، والأهداف التى تتغير بتغير المواقف التى يعيشها الإنسان على مدار اللحظة.
بتفصيل أكثر: تقوم تكنولوجيا الحوسبة المعرفية بالتعامل مع الكميات المهولة والفائقة الضخامة من البيانات والمعلومات، ليست فقط المخزنة فى قواعد البيانات، بل والتى تتجدد على مدار اللحظة، كالتوقيت بالساعة والدقيقة والثانية، والموقع والمهمة والتاريخ والبيانات الشخصية ودرجات الحرارة وجداول السفر ومعالم الأماكن وكثافة المرور والحوادث الطارئة، وكل ما يمكن الحصول عليه من تفاعلات جارية بالأماكن والطرق والتجمعات المختلفة على مدار اللحظة، ثم تحدد وتستخلص سمات هذه السياقات أو الأوضاع ككل، وتحولها إلى وضعية حية حاضرة من المعلومات التى تناسب شخصاً ما أو مجموعة ما فى لحظة معينة ومكان معين، وتستجيب لاحتياجات معينة فى اللحظة الراهنة.
بناء على ذلك يتحدث الخبراء عن أن هذه التكنولوجيا يمكنها أن تعيد تحديد طبيعة العلاقات بين الناس وبيئتهم الرقمية المتزايدة التغلغل فى حياتهم، وربما تلعب دور الوكيل الذى ينوب عنهم، وتتصرف تخيلياً وتلقائياً فى العديد من المواقف الخاصة بحل المشكلات.
عند استخدام هذه التكنولوجيا الفائقة التقدم فى بناء محركات بحث تعمل فى مجال السياحة والسفر، يصبح بالإمكان الانتقال إلى مستوى جديد من الخدمات، وهو مستوى «النصح والإرشاد» الإلكترونى اللحظى السلس، أى الذى يتواصل بلا انقطاع، ويتغير بلا انقطاع، طبقاً لمكان واحتياجات السائح والمسافر وما يحتاج إليه أو يريد أن يفعله طوال الوقت.
لا تزال محركات البحث المعرفية فى مراحلها الأولى، وفى منتدى «التفكير» الذى عقدته شركة آى بى إم بنيويورك الشهر الماضى لنخبة من كبار الخبراء المتخصصين حول العالم فى توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بمجالات التنمية المختلفة، تحدث عن هذا الأمر تيرى جونز، الذى يعد من أبرز خبراء العالم فى توظيف تكنولوجيا المعلومات بمجال السياحة والسفر، فهو مؤسس أكبر شركتين للسياحة والسفر على الإنترنت هما «ترافيلوستى» و«كاياك»، ويقوم حالياً بتأسيس شركة «واى بلازر» كأول شركة فى العالم تتبنى محرك بحث معرفى لخدمة صناعة السياحة والسفر.
قال جونز أمام المنتدى إن محركات البحث المعرفية ستجعل الحاسبات تقوم بالعمل كمرشد حقيقى شخصى للسفر، وتمكن الناس من عمل كل شىء من ترتيب أفضل إجازة إلى القيام بتغييرات اللحظة الأخيرة بأقل قدر من الضجيج، فمواقع السفر اليوم تعتبر جيدة للغاية فى مساعدة الناس على شراء تذاكر السفر وحجز الفنادق وتأجير السيارات، وحققت نجاحاً مدهشاً، والسفر يعكس الآن أكبر سوق سفر على الإنترنت، حيث يقدر بحوالى 813 مليار دولار حجوزات عبر الإنترنت فى الولايات المتحدة وحدها، لكن ما لا تقدمه مواقع السفر الكبرى هو «النصيحة الحية المتجددة طوال الوقت»، وهناك فجوة كبرى فى هذا الأمر، فعلى الرغم من وجود عدد لا يحصى من المقالات حول السفر وكتيبات الإرشاد الموضوعة عبر الإنترنت، فإنه ليس هناك من لديه الوقت والصبر ليبحث كل هذا المحيط المتلاطم من المعلومات، وباستخدام محركات بحث المعرفة سيستطيع الناس استكشاف فرص جديدة للسفر والتركيز على الخدمات التى يمكن أن تكون أكثر فائدة لهم والخبرة التى يمكن أن تكون أكثر إرضاء لهم.
تخيل مثلاً، كما قال جونز، أن هناك ثلاثة أصدقاء يخططون لرحلة إلى أوستن، وحينما يزورون موقع مكتب اتفاقيات أوستن للسفر سيقوم محرك بحث واى بلازر بمساعدتهم بسرعة على التركيز فى الأشياء التى يحتاج هؤلاء الأشخاص القيام بها فى هذا المكان، مثل مشاهدة حفل موسيقى حى، وحضور مباراة كرة قدم لجامعة تكساس، أو مشاهدة سباق سيارات فورميلا وان، وبمجرد البدء فى وضع الخطة سيقوم النظام بنصيحتهم حول أسرع الطرق للسفر إلى مقاصدهم السابقة، وما الذى يرتدونه من ملابس، أو حتى أفضل بار يمكنهم الذهاب إليه إذا كانوا يريدون التواصل مع مشجعى السباقات ومباريات كرة القدم، ومع تواصل الرحلة تتواصل النصائح وتتجدد لحظة بلحظة، طبقاً للتحديث المستمر فى البيانات والمعلومات المتعلقة بهم وبالمكان الذى يوجدون به والأجواء التى يعيشونها، والأهداف التى يرغبون بها أو يحتاجون إليها.
اختتم جونز حديثه قائلاً: هدف أكبر مواقع السفر الآن هو تخفيض الوقت والجهد المطلوب للتعامل مع الإجراءات والترتيبات الروتينية للرحلة، ولكنها لا تقدم ما يمكن أن نطلق عليه المرشد والنصيحة، ومع الحوسبة المعرفية، نحن نضع الذكاء مرة أخرى فى التخطيط للسفر، لجعل الناس يضعون جهداً ومالاً أقل ويحلمون ويحققون ما هو أكثر كثيراً.