«ما لمّع إلا لما وفق».. حكاية «عم عبده» أشهر ماسح أحذية بجامعة القاهرة

«ما لمّع إلا لما وفق».. حكاية «عم عبده» أشهر ماسح أحذية بجامعة القاهرة
- عم عبده
- ماسح أحذية
- جزمجي
- جامعة القاهرة
- وفاة عم عبده
- عم عبده
- ماسح أحذية
- جزمجي
- جامعة القاهرة
- وفاة عم عبده
صندوق صغير، على شكل مربع، لونه أسود ويحمل فرشاة خشنة وعلبا من الصفيح بداخلها لونان أسود وبني، ويوصل حزام قماشي بطرفيها، ذلك المجسم الصغير الذي يحمله «عم عبده»، على كتفه، ويدخل بعباءته جامعة القاهرة بالجيزة، لا يعترضه أحد، فالجميع هناك يعرفه، بل هو أقدمهم تواجدا دخل الحرم الجامعي، يجلس موزعًا عبوات «البويا» الملونة و«فراشي» التنظيف وقماش التلميع، فيضع الزبون قدمه على القطعة الخشبية المصممة لتثبيت الحذاء فوقها، ليبدأ ماسح الأحذية بعمله برشاقة وسرعة تحوّلان الحذاء المهمل القديم، إلى آخر جديد ولامع، ظل على هذه الحال عقودا من الزمان، حتى وافته المنية صباح أمس، بعد صراع مع المرض.
عبد المعز، هو الاسم الحقيقي لـ«عم عبده»، الذي عاش 75 عاما من عمره قبل وفاته، أغلبها كان داخل أروقة الجامعة، بعد أن ولد لأب فقير، ورث عنه صندوق المهنة، وأصبح يلف ليلًا ونهارا حاملًا إياه، من أجل العودة آخر اليوم ومعه 7 قروش يعطيها له ليساعده على مصاريف المعيشة، في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، حتى أصبحت مهنة «الجزمجي» هي مهنته الدائمة.
وجود «عم عبده» داخل جامعة القاهرة، يعود لعصر عميد الأدب العربي طه حسين، عام 1962، على حد قوله لـ«الوطن» في فيديو مصور عام 2017، وعلى الرغم من أنه كان مصابا بمرض القلب، وتصلب في الشعب الهوائية، إلا أنه كان لا يصبر على الجلوس في المنزل ولا على العمل بشكل متواصل، «مقدرش أقعد في البيت، وعندي 8 بنات جوزتهم كلهم».
ذكريات طلاب جامعة القاهرة مع عم عبده: كنا بنفضفض معاه.. وبيضحك في وش الكل
أساتذة الجامعة ومديروها يعرفون جيدا من هو «عم عبده» الذي يجلس بداخلها، حيث يدخل إلى المباني ويلمع أحذيتهم، ويعاملونه بلطف «كلهم يعرفوني من أيام ما كانوا طلبة في الجامعة عشان مدة بيحبوني»، لذا تواصلت «الوطن» مع بعض الطلاب الذين حكوا ذكرياتهم في ليلة وفاة ماسح الأحذية الشهير.
على مدار سنوات دراسة محمود عبدالباري في جامعة القاهرة، كان «عم عبده» أول من يراه صباحا داخل الجامعة، يسلم عليه كعادته، وأياما كان يذهب إليه قاصدا تلميع حذائه، لتيدأ مرحلة المزاح وتتعالى ضحكاتهما حول أحوال الحياة ودراسته في الجامعة.
يروي «محمود» كم كانت هناك عِشرة بين الرجل السبعيني وبين الطلاب، سمحت له من معرفة أمور حياتهم وكيف تسير دراستهم، «كان في ناس بيروحوا يفضفضوا معاه ويتكلموا، وكنا بنحس إنه فعلا أب لينا، كان بيقولي تلمع أقول له لا يا عم عبده مش لابس حاجه تتلمع.. يقولي لا أنا قصدي دماغك».
عام 2012 حينما دخل الخريج مصطفى فكري إلى الجامعة وتحديدا كلية الحقوق، تعجب من وجود ماسح الأحذية داخل الحرم الجامعي، ولكن مع مرور الوقت بدأ يعتاده وجوده وعرف أنه أقدم الأشخاص هناك، وحكى له زملاؤه من الطلاب القدامى عن خفة ظله وحرصه على مصلحة الجميع وكأنهم أبناؤه وابتسامته في وجه الجميع.
إفيهات «عم عبده» ما زالت عالقة في ذهن الشاب العشريني، ووجهه البسيط الذي نال الزمن والشقاء منه تظل ملامحه في عقل «مصطفى»، «ياما ضحكنا على نكته وكلامه، فاكر كان بيقول لي ما لمّع إلا لما وفق، وكنا بنقدر جدا شغلانته وفراقه حقيقي زعلنا كأنه حد من أهلي بحكم 4 سنين تعامل بيننا بالخير».