الموهوبون في دور الرعاية.. كنوز شبابية تحفر «طاقة نور»

كتب: أسماء زايد

الموهوبون في دور الرعاية.. كنوز شبابية تحفر «طاقة نور»

الموهوبون في دور الرعاية.. كنوز شبابية تحفر «طاقة نور»

«من المِحَن تأتى المِنَح».. هكذا حال الأطفال بدور الرعاية، فرغم المصير المجهول الذى يواجه كثيرين منهم خلف جدران هذه الدور، فإن بعضهم استطاع أن يخلق من الظلام طاقة نور، ليتحولوا من أطفال مجهولى المصير والهوية إلى نماذج شبابية يحتذى بها، بعد أن نجحوا فى تحدى الظروف وتحقيق أحلامهم وكتابة مستقبلهم من جديد.

خدمات فنية ورياضية وفرتها الدولة لتأهيلهم.. و«التأمين الصحي الشامل» للجميع

وأولت الدولة، خلال السنوات الماضية، اهتماماً بالغاً لتعليم طلاب دور الرعاية وتوفير الكثير من الخدمات التعليمية والفنية والرياضية لهم، وتحسين مستوى الأنشطة، ليصبحوا نماذج ناجحة داخل المجتمع، واتخذت العديد من الإجراءات لتنمية جميع مواهب الأطفال داخل دور الرعاية التى تشرف عليها، حيث يصل عدد الأطفال بها لنحو 428 ألف يتيم، إضافة إلى 520 مؤسسة رعاية أيتام وكريمى النسب بها 10 ملايين يتيم. ووضعت الدولة خطة تنمية للطفل بداية من التحاقه بالدار مروراً بتخرجه وما بعد تخرجه، كما تم العمل على إعداد نماذج ناجحة قادرة على التقدم والإصرار، ودعمهم لتحقيق أهدافهم، وتنفيذ العديد من المبادرات مثل «لعيبة بلدنا»، وكورال «أطفال مصر»، إلى جانب إدراج جميع الشباب خريجى دور الأيتام فى التأمين الصحى الشامل وبطاقة تأمين بعد تخرجهم وانفصالهم واستقلالهم عن الدور.

«الوطن» حاورت خلال السطور التالية 4 نماذج استطاعت أن تستغل مواهبها الاستثنائية بين «الرسم» و«الغناء» و«كرة القدم» ليكتبوا بها مصيرهم بأيديهم من جديد.

«محمد»: أمي وضعتني في «دار أيتام» علشان تحرق قلب أبويا علىَّ.. وعبَّرت عن نفسي بالرسم

 رغم الصخب الذى يملأ المكان وصعوبة التركيز فى البيئة المحيطة به، إلا أنه يتناسى كل هذا بمجرد أن يغمس ريشته فى الألوان، لتنطلق على اللوحة أمامه، فيتناسى كل ما يدور حوله، ويهرب بوجدانه من ضباب الحياة.

«لم أفكر يوماً فى الاستسلام لنظرات الناس القاتلة، ولن يمنعنى اعتقاداتهم من الوصول إلى حلمى فى أن أصبح من أشهر الفنانين، فإحساسى باليتم رغم وجود أهلى، كان أكبر دافع للتعبير عن ألمى على لوحات الرسم، ولم أتحدّث مع أى شخص فى الدار فى صغرى سوى مع الورقة والقلم، وكراسة الرسم، فبدأت أرسم أباً وأماً منفصلين، وأرسم عائلات، كما أننى بدأت الرسم على حوائط دار الأيتام التى نشأت بها».

عبارات كلها تحدٍّ وإصرار، بدأ بها محمد نبيل البالغ من العمر 24 عاماً، حديثه لـ«الوطن»، وروى «نبيل» قصته منذ نعومة أظافره: «التحقت بالدار منذ كان عمرى 4 سنوات، وبسبب خلافات صعبة نشبت بين والدى ووالدتى، قررت والدتى إخفائى عن أبى بإحدى دور الرعاية (دور التربية بالجيزة)، التابعة لوزارة التضامن، آوتنى أمى بالدار علشان تحرق قلب أبويا علىّ»، مشيراً إلى أن أهله من بورسعيد، هذا ما قالته والدته له أثناء زيارتها له.

ولفت محمد نبيل الذى يقضى معظم اليوم وسط لوحاته ليخرج إبداعه، أن والده تزوج من أخرى، ووالدته تزوجت أيضاً، ولم تفكر والدته فى رجوعه للعيش معها، مشيراً إلى أن والدته هى الوحيدة التى كانت تعرف مكانه، وكانت تتردّد لزيارته عدة سنوات، على فترات متباعدة، ولم تعد تزوره وأصبحت لها حياتها الخاصة، مؤكداً أنه عندما خرج من الدار حاول العودة إليها، إلا أن الموضوع سبّب لها مشكلات مع زوجها، وشعر «محمد» بأنه غير مرغوب فيه، وعاملوه كالضيف: «كنت حاسس إنى خانقهم، وكنت عاوز أعيش وسطهم علشان أحس إنى لىّ أهل، لكن ده محصلش، وفكرت فى الانتحار مرتين بسبب أمى».

وأكد أن المؤسسة كان تعمل على تنمية موهبته وإشراكه بورش الرسم، خاصة عند نبوغه فى الرسم منذ التحاقة بالدار، واكتشاف موهبته من قِبل الإخصائيين بالدار، مشيراً إلى أنه لم يكمل دراسته وترك المدرسة منذ الصف الثالث الإعدادى بسبب التنمر عليه، ومعايرته بنشأته فى دار أيتام «ملجأ» على حد وصفه، قائلاً: «المدرسين كانوا بيسألوا ويقولوا فين أولاد دار الأيتام، مما سبب لى أذى نفسياً، وإحساسى بأنى منبوذ، فقررت ترك المدرسة، الناس شايفة إننا عار، رغم أن دور الأيتام مليئة بالموهوبين، وبيوفروا لنا كل سبل الدعم من المأكل والملبس والتعليم، وتنمية المواهب، سواء فى الغناء أو الشعر، أو الرسم، أو الموسيقى، وحتى لعب الكرة، والورش المهنية، حتى يبدع كل طفل فى موهبته.

يستأنف الشاب العشرينى حديثه: «حتى لما اشتغلت تركت الشغل عدة مرات بسبب إنى من دار أيتام، ومدير مصنع كنت شغال فيه، أول ما عرف إنى من دار أيتام قال لى سيب الشغل، ومنذ خروجى من الدار عملت فى الكثير من المهن، ونمت تحت الكوبرى سنتين، ثم عملت فى فرن عيش، ومطعم، واستأجرت غرفة فى منطقة بولاق وساعدتنى وزارة التضامن فى أخذ دورات تدريبية فى الرسم، لتنمية موهبتى بعد خروجى من الدار»، لافتاً إلى أنه ظل يوفر من عمله حتى فتح مكاناً لعرض لوحاته الفنية بالقرب من جامعة القاهرة.

نفسي أفتح معرض كبير لرسوماتي وأغيّر نظرة المجتمع تجاهنا وأثبت لأهلي أن دور الرعاية أحن علىّ منهم

وأشار «محمد» إلى أن حلمه فتح معرض كبير لرسوماته، حتى يصبح مشهوراً، لتغيير نظرة المجتمع تجاه أبناء دور الرعاية، بالأخلاق والمواهب، مشيراً إلى أن اللوحات تدر دخلاً مناسباً له: «كل اللى يشوف شغلى ينبهر، ووجودى وسط منطقة عشوائية لا يقدّرون قيمة الفن، قد يكون عائقاً لى فى الوقت الحالى، لكننى سأجتهد لفتح مكان لعرض لوحاتى فى منطقة أخرى تقدّر قيمة الفن».

ينهى الفنان العشرينى حديثه: «عمرى ما احتفلت بعيد ميلادى، وقررت الاحتفال به على طريقتى، وتحديت نفسى، والاحتفال سيكون بافتتاح مكان جديد لعرض لوحاتى، وحلمى أفتح أكبر معرض للوحاتى ببورسعيد، علشان أثبت لأهلى إن دور الرعاية أحن علىّ منهم، منذ اليوم الأول لإيوائى بها، اتربيت على الصح والغلط، واتربيت على التحدى والمواجهة».

 


مواضيع متعلقة