«الاختيار».. الصعب
ما أكثر الندوب التى فتحها مسلسل «الاختيار 2» فى قلوبنا، باستحضار مخزون الأوجاع والآلام والمرارات التى تجرعناها فى السنوات الماضية، بعد أن طالت يد الإرهاب الآثمة كل مكان فى مصر، فى موجات متتالية من القتل والتدمير لم نشهدها من قبل، ولم نكن نعرفها إلا فى مشاهد الإرهاب المنتشر حول العالم. سلط «الاختيار 2» الضوء على شهداء الشرطة فى جزئه الثانى، بتفاصيل مثخنة بالأحزان، فلم نكن نعرف عنها إلا النزر اليسير، من خلال خبر فى الصحف أو مواقع التواصل الاجتماعى، مشمولاً بصور الشهداء من ضباط ومجندين، ثم تتبعها تفاصيل عامة عن حياة كل شهيد، متزوج أو مقبل على الزواج، أو تاركاً خلفه رضيعاً أو أطفالاً صغاراً، أو أماً تنتظره وهى تحبس أنفاسها كل يوم بعد خروجه من المنزل وحتى عودته.
وُفِّق مسلسل «الاختيار» فى وضع اللمسات الإنسانية الموثقة بالأحداث الحقيقية لكل عملية استُشهد فيها بطل من أبطاله، أبحرنا داخل كواليس حياة كل شهيد بتفاصيله الإنسانية، وتماهينا مع حياته العامة والخاصة، فتركت بصمات الألم والمرارة والغضب، لا يمكن وصفها بكلمات عابرة توثق اللحظة، ومن ثم تتوه فى زحام الحياة، ومع إسدال الستار على حياة بطل من الشهداء الحقيقيين، يزداد الغضب ويشتد الحنق، عادت بنا الذاكرة إلى مشاهد سفك الدماء التى اقترفتها يد الإرهاب الأسود بدعوى الجهاد فى سبيل الله ليرتقوا إلى الجنة! يرفلون بنعيمها الذى وعد الله به عباده الصالحين، فكانت أفكارهم كاشفة لحجم التضليل والخداع مما يتلقونه من قياداتهم التى تجنّدهم لخدمة أهدافها الطامعة فى السيطرة على السلطة، باسم الدين والدفاع عن الشريعة الإسلامية. تفاصيل تكشف المؤامرة التى تحيط بالمنطقة العربية، وليس مصر فحسب، غير أن زعزعة أمن واستقرار مصر هو البوابة والبداية.. لانهيار المنطقة بأسرها، ووقوعها فى براثن مخططات أجهزة الاستخبارات الأجنبية، ومن تابع مسلسل «هجمة مرتدة» سيجد الإجابة عن أسئلته الحائرة، والألغاز التى اقترنت بأحداث الماضى القريب! ويدرك حجم المخططات التى تستهدفنا، فهما خطان يتكاملان! وبحكم السرية فإن ما نتلقاه من معلومات يظل ضئيلاً، لذا لم نستوعب خطورة ما يجرى فى المنطقة العربية تباعاً، فلم نعرف منها سوى الفتات، وبفضل الإعلام الخارجى الموجّه، اختلط الحابل بالنابل، مما يخطط فى السر أخطر مما نتصور على الأمن القومى، وهو ما يفسر الأهداف والنوايا من كل هذا الشحذ لاستهداف شريحة الشباب، فنجحوا إلى حد كبير فى تحقيق مآربهم، باعتبار الشباب الفئة العمرية الأكثر حماسة وتمرداً، ومن السّهل توجيه أفكارهم والتأثير على عقولهم، تحت شعار التغيير، وحرية الرأى والتعبير، وترسيخ أسس الديمقراطية، لأنه الجيل الذى عانى من غياب الحريات والتعبير، فآثر الابتعاد عن المشاركة السياسية بمفهومها الديمقراطى، والتى لم تجد طريقها إلى أنظمة الحكم الشمولى، لأنها سلاح ذو حدين، ونقمة إذا أسىء استخدامها.
ما يجرى فى الغرف المغلقة وضع الملح على الجرح، وأظهر سلسلة المؤامرات التى تحاك فى الظلام، وهى قديمة منذ زوال الاستعمار التقليدى، واستبداله بالأجهزة الاستخباراتية وأذرعها الطولى فى المنطقة، للعبث وللتحكم بمقدراتها والسيطرة عليها بالوسائل التكنولوجية الحديثة والمتقدّمة، الاستعمار الحديث فى حلته الجديدة، يحرك قواعد اللعبة من داخل البيت! دون أن يبذل أى عناء قد يعرّضه للخطر أو المساءلة، وأفضل وسيلة لزعزعة أمن واستقرار أى بلد، إرباك أجهزتها الأمنية بالإرهاب، ونشر الفوضى، لكن ورغم كل التضحيات.. سيبقى الوطن.