جدعنة المصريين «بين القطرين».. تبرع بالدم ومشروب مجاني ونقل دون مقابل

كتب: كريم عثمان

جدعنة المصريين «بين القطرين».. تبرع بالدم ومشروب مجاني ونقل دون مقابل

جدعنة المصريين «بين القطرين».. تبرع بالدم ومشروب مجاني ونقل دون مقابل

هنا الدم والألم.. الدموع والحطام.. هنا مسرح أحداث تصادم قطاري سوهاج.. هنا تتداخل حكايات الضحايا والمصابين وأحلامهم المنكوبة، لترافق حطام عربات القطارين. هنا صمت المنكوب وصراخ المتألم.. هنا كل المتناقضات.  

هنا سيطر الصمت لدقائق بعد أن توقفت أصوات صافرات القطارات، ومنبهات المزلقانات، ولكن سرعان ما أشتعلت محركات الشهامة والجدعة، وهما الصفتين اللتين ارتبطا بالشخصية المصرية، من هنا خرجت حكايات منيرة رغم ما يفرضه الحادث من حزن وظلام.

منذ قديم الزمن وحتى اللحظة يضرب المصريون المثل في الجدعنة والشهامة، تمر عليهم المحن فلا تزيدهم إلا صلابة، تتكاتف خلالها الأيادي ويعم فيها الدعم، ويرفرف شعار «كلنا واحد»، جينات المروءة التي توارثها الأجيال تطفو على الساحة لتسيطر على الموقف، تنكمش المحن أمام شهامتهم، وتقف الكوارث عاجزة عن نشر الخطر، ليثبتوا للعالم أنها «فيها حاجة حلوة»، شيء يخلق بطل من رحم كل صعب، وجانب مضيء وسط أي عتمة.

عتمة الأمس، تجلت في حادث قطاري سوهاج اللذان اصطدما في بين قريتي طهطا والمراغة بمحافظة سوهاج، ما أسفر عن 32 ضحية و165 مصابا، أصوات ضحايا يصرخون، ودماء تناثرت على القضبان وسيدات تستنجد بمن ينقذهن، وشباب تعطل خط سيرهم، قبل أن تمتد إليهم يد العون وتمر بهم «جدعنة المصريين» إلى بر الأمان.

انتشار أنباء الضحايا والإصابات جراء الحادث، أشعل محركات الشهامة داخل نفوس المصريين وبالأخص «الصعايدة»، الذين كانوا بالقرب من الواقعة، وتحول المشهد في لحظات من مسرح حادث أليم، إلى ميدان يتنافس فيه المصريون على عمل الخير وإنقاذ حياة الغير.

بشاعة حادث التصادم وتزايد عداد المصابين، دفع أحد السائقين لتخصيص «التاكسي» الخاص به لنقل المبترعين بالدم مجانا لعلاج وإسعاف المصابين في حادث اصطدام قطارين الصعيد، وعلق لافتة كتب فيها «هذا التاكسي لنقل المتبرعين بالدم مجانا في حادث القطارين»، بعد أن شهدت مستشفى طهطا العام تزاحمًا من المواطنين للتبرع بالدم، دون أن يظهر وجهه طمعا في شهرة زائفة.

الساعات الطويلة التي عاشها المغتربون من أهالي الضحايا، كان لابد أن يتناولوا بعدها الطعام ليقوو على المواصلة، فما كان من أهل الصعيد الكرام إلا أنهم سخروا بعض المطاعم لخدمة هؤلاء، ومن بينهم مطعم «وصاية طهطا»، الذي أعلن عبر حسابه استقبال جميع عائلات الضحايا من المغتربين لتناول وجبات بالمجان.

«عندي شقة مفروشة على استعداد لاستقبال أهالي الضحايا مجانا ياريت اللي محتاج سكن يكلمني»، جملة كتبها أكثر من شخص من الأهالي المجاورين للحادث مرفق أسفلها رقم هاتف كل منهم، في تسارع كبير لعمل الخير وتساق على التقدم بسكن مجاني من أجل راحة المصابين وذويهم ممن لا مأوى لهم ومغتربين.

مشاهد عديدة ومتنوعة، أشارت إلى النور الذي أضاء عتمة الحادث، وأثبتت أنه في كل محنة، هناك منحة من الله، ورسالة بأن المصريين بنيان واحد، يظهر معدنهم الحقيقي في الشدائد، و«مفيش أجدع منهم» في المواقف الصعبة.

المشهد الذي لفت النظر في حينه كان سرعة الاستجابة من خلال توافد العشرات من الشباب إلى مستشفى طهطا العام بمحافظة سوهاج، من أجل التبرع بالدم، لتقديم الدعم ومساعدة المصابين، شلال لا أغلى من دمه، ليعطيه لأشقاءه في الوطن من أجل تعويض ما فقدوه في الحادث وإنقاذ الضحايا.

تفترش الأرض بين أكياس الدم، في طرقات مستشفى سوهاج الجامعي، لتتابع عمليات السحب من مئات المتبرعين بالدم، «أنا إجازة النهاردة، ونزلت سريعا وبدون تفكير متطوعة، للوقوف على الحادث، ومتابعة أعمال التبرع بالدم للمصابين، والوجود داخل المستشفى، باعتباري نائب مدير المستشفى والمسؤول عن الجودة، لازم كنا كلنا نكون واقفين في موقف زي دا»، هكذا تحركت الدكتورة إيمان سلامة، نائب مدير المستشفى مسرعة للمستشفى فور علمها بوقوع الحادث.

على بعد كيلو مترات من المستشفى، فتحت «دار الإنسانية للضيافة»، الواقعة في منطقة تقسيم الشروق بمحافظة سوهاج، ذراعيها لاستقبال أسر المصابين مجانا، حتى يعودوا إلى منازلهم سالمين، وهو ما قرره مصطفى عبدالرحمن، مدير الدار، «احنا فكرنا الناس اللي جاي تشوف أهلهم المصابين، هيناموا فين»، خاصة وأن فكرة عودتهم مرة آخرى لمحافظاتهم، ثم الرجوع في الصباح ستكون مرهقة جدا.


مواضيع متعلقة