بين الشطرنج والطاولة

رامى جلال

رامى جلال

كاتب صحفي

عادة لا تمارس الشعوب العربية لعبة الشطرنج، لأنهم يفضلون الألعاب القدرية على منظومات التفكير، فـ«قيراط حظ ولا فدان شطارة»، فنحن نعيش إما انتظاراً لما قد يبعث به القدر، أو اعتماداً على الفهلوة والغش عبر «قرص» الزهر الذى يؤدى غالباً إلى «عض» أصابع الندم. أمارس الشطرنج منذ نحو ثلاثة عقود من الزمن، تعرضت خلالها لعشرات المواقف الطريفة، لعل أغربها حدث حين كنت ألاعب صديق طفولة وأخذت وزيره بأحد البيادق (عسكرى)، فاعترض ورفض إكمال الدور، وقال إن هذا غير معقول لأنه لا يمكن لـ«حتة عسكرى» أن يأكل وزيراً، ولم يعاود صديقى اللعب إلا عندما أقنعته أن هذا مسموح به فى اللعبة فى إطار أنها عملية «اغتيال» خسيسة، لأن الحرب خدعة، وأن عليه هو أن ينتقم للوزير الشهيد! الطريف أنه صدق الأمر وتابع اللعب بالفعل! وحكى لى أبى، رحمه الله، عن موقف عكسى، حين رفض منافس له أن يقبل بنهاية الدور على الرغم من تلقيه للكش مات، وحين قال له أبى: «خلاص، الملك مات». رد المنافس قائلاً: «مش مهم، هكمل لعب بالباقى»!!

العالم العربى أخذ الشطرنج وأضاف إليه لمساته المتعصبة للجنس والدين؛ فالشطرنج به «ملك» ضعيف الحركة، و«ملكة» هى أقوى قطعة على الرقعة، وهى التى تقود الجيوش وتصارع وتناور. وهذا وضع لا يمكن قبوله هنا، فتم تغيير اسم «الملكة» إلى «الوزير»، وهى تسمية ذكورية عن جدارة.

اللمسة العربية الأخرى جاءت على قطعة ثانية، وهى «المطران» (Bishop)، وهى بالطبع رتبة كنسية مسيحية، فتم تعديل الاسم فى اللغة العربية إلى «الفيل»، ولكى يتم استكمال المجموعة الحيوانية أصبح هناك «حصان» بدلاً من «الفارس»، و«رخ» بدلاً من «القلعة»، وكأننا فى «مزرعة الحيوانات».

ولأن كُلاً يُغنى على ليلاه، فقد قام المسيحيون العرب بابتداع أحجية لطيفة تقول: «ما هو الفارق الجوهرى بين الشطرنج والمسيحية»، لتكون الإجابة أن الجميع يموت فى الشطرنج من أجل الملك، بينما فى المسيحية مات الملك من أجل الجميع. وهذا يُذكرنا بالكلمة التى وُضعت عنوة على لسان «غاندى» والتى تقول: «أنا لا أرغب فى تعلم الشطرنج لأننى لا أريد أن يموت جيشى كى يحيا الملك». بالطبع لم يقل «غاندى» هذا الكلام الضحل بل كان مهتماً باللعبة.

الشطرنج هو «لعبة الملوك» وهو أشهر لعبة ذهنية. وفى السن الصغيرة، يعزز الشطرنج من عملية نمو الدماغ، حيث يُدرب كلا الجانبين للدماغ، كما أنه يرفع معدل الذكاء، ويُحسن الذاكرة، ويُزيد من القدرة على الإبداع بما ينعكس على زيادة مهارات التخطيط الاستراتيجى وحل المشكلات، وهذا يقى، فى الكبر، من مرض الزهايمر وخرف الشيخوخة، كما أن دراسات قد أكدت أنه يساعد على التعافى من السكتات الدماغية.

تدريس الشطرنج بالمدارس المصرية هو أمر مهم لبناء أسس الوعى والإبداع لدى أجيال جديدة ستكون فى وسط لا يعترف إلا بالتفكير سبيلاً وحيداً لفتح بوابات المستقبل. فإن لم يكن المنطق والقدرة على الاستدلال كالماء والهواء، لن نتقدم بسهولة. الشطرنج أسلوب حياة وليس مجرد لعبة.