أفريقيا ورئاسة منظمة التجارة العالمية (1)

أشعر أن الريح خلف ظهرى...

قالت هذه الجملة صاحبة البشرة السمراء (المشرقة)، الأفريقية النيجيرية (المشرفة) «نيجوزى أوكونجو إيويالا»، وذلك بمناسبة دعم «الاتحاد الأفريقى» لها لتولى رئاسة «منظمة التجارة العالمية»، التى على أثرها ستصبح أول أفريقية وأول امرأة تتولى هذا المنصب القيادى الرفيع للغاية.

ولعل السؤال الذى يطرح نفسه علينا الآن هو: ما الذى ستستفيده أفريقيا من تولى «أفريقى» قيادة «منظمة التجارة العالمية»؟!

والإجابة تتمحور بالطبع حول ضمان عدم استبعاد (أفريقيا) من السياسات والمناقشات المهمة، كما كان يحدث قبل ذلك، وهو أمر يبدو أكثر أهمية الآن من أى وقت مضى، لماذا؟ لأن ضمان وجود الاقتصاد الأفريقى على رأس سياسة التجارة العالمية يمثل مكسباً استراتيجياً كبيراً للقارة، وذلك فى سياق الانكماش الاقتصادى العالمى الناتج عن انتشار جائحة كورونا.

وبحكم كونى امرأة مصرية - أفريقية بطبيعة الحال، وأيضاً بحكم عملى السابق كمديرة لوحدة المرأة وقضايا المجتمع بأحد المراكز البحثية، وعملى الحالى كمديرة لوحدة الدراسات الأفريقية بمركز للدراسات الاستراتيجية، فقد شعرت بسعادة غامرة يوم الجمعة الماضى وأنا أتابع الأخبار الخاصة بإعلان إدارة الرئيس الأمريكى الحالى «جون بايدن» تأييد ترشيح «أوكونجو» النيجيرية لتولى رئاسة «منظمة التجارة العالمية»، كما أعلنت أيضاً فى نفس اليوم «ميونج» المرشحة الكورية للمنصب انسحابها من الترشح، وقد كانت المنافسة الوحيدة لـ«نيجوزى» -وقد كانت تحظى بدعم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب- وقد جاءت تلك الأخبار المبهجة بعد فترة من التجمد كانت قد بدأت منذ أكتوبر الماضى بسبب المعارضة الشديدة التى مارستها إدارة الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب» لتولى المرشحة الأفريقية لرئاسة المنظمة، وانتظرنا جميعاً حتى انتهاء انتحابات الرئاسة الأمريكية.. لنرى ما ستصل إليه الأمور!.

ولعل هذا التأييد الأمريكى يبشر بعودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى نهج التعاون مع حلفائها واتباع السياسات التعددية. فهذا هو ثالث تغيير حتى الآن من إدارة بايدن بشأن المنظمات متعددة الأطراف، حيث كان الأول هو العودة إلى اتفاق باريس للمناخ، والثانى هو العودة إلى منظمة الصحة العالمية.

وعلى الرغم من انحيازى المعروف والدائم لدعم أبناء القارة السمراء وخصوصاً النساء منهم، إلا أن انحيازى اليوم جاء مختلفاً بعض الشىء، حيث انبثق من روح الانتماء الممزوجة بالإعجاب الشديد برحلة كفاح ونجاح ووصول «أوكانجو» نفسها إلى أعلى المناصب القيادية.

وتعالوا بنا نقترب ونتعرف على بعض ملامح شخصية هذه المرأة المتميزة المبهرة والبالغة من العمر 66 عاماً.

فقد تلقت «أوكانجو» قدراً جيداً جداً من التنشئة الأسرية والتربية الواعية، حيث ذكرت فى حديث لها ذات مرة أنها تعيش حياتها على نصيحة غالية قالها لها والدها (الملك النيجيرى) وهى طفلة صغيرة، كان نصها: «أوكانجو.. لا تسمحى لأى شخص أبداً بتخويفك أو ابتزازك».

كما أنها تلقت أيضاً قدراً أكثر جودة من التعليم، حيث حصلت على البكالوريوس ثم الماجستير فى الاقتصاد من جامعة هارفارد، كما أنها أخذت درجة الدكتوراه فى الاقتصاد الإقليمى والتنمية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الأمر الذى أهلها للعمل فى البنك الدولى لمدة 25 عاماً، خرجت منه بخبرات واسعة فى إدارة النواحى الدبلوماسية والاقتصادية، أهلتها تلك الخبرة بعد ذلك لتولى رئاسة وزارة المالية النيجيرية لفترتين كان آخرهما من 2011-2015م (مع الأخذ فى الاعتبار أن بلادها نيجيريا تعد من أكثر الاقتصاديات تقلباً فى العالم)، إلى جانب أنها تولت أيضاً وزارة الشئون الخارجية فى 2006 مما نوّع وزاد من مستوى خبراتها التراكمية.

ولحديثنا بقية سنستكملها الأسبوع المقبل بإذن الله.. مع «أوكانجو» المتميزة والتحديات التى من المنتظر أن تواجهها.