شبح العنصرية لا يزال يخيم على أمريكا في ذكرى ميلاد مارتن لوثر كينج

شبح العنصرية لا يزال يخيم على أمريكا في ذكرى ميلاد مارتن لوثر كينج
تحل اليوم، الموافق 15 يناير، ذكرى ميلاد الزعيم والناشط السياسي الأمريكي مارتن لوثر كينج، الذي ناضل ضد التمييز العنصري ضد السود، في وقت يرصد فيه ناشطون وسياسيون ومثقفون أمريكيون استمرار مظاهر العنصرية في المجتمع الأمريكي، والحوادث المتكررة لمقتل أمريكيين من أصول أفريقية خلال توقيفهم من جانب الشرطة، فضله عما قاله كثيرون عن أن أحداث اقتحام الكونجرس لو كانت حدثت من جانب السود، وليس العنصريون البيض، لكان تم قتلهم جميعا.
ويأتي استمرار هذه المظاهر كسبب إضافي لاستعادة ذكرى وسيرة هذا الناشط الأمريكي الشهير، مارتن لوثر كينج الذي ولد في 15 يناير 1929، وتم اغتياله في 4 أبريل 1968 ليدفع أغلى ثمن، وهو حياته، دفاعا عن القضايا الإنسانية العادلة التي ظل يناضل من أجلها طوال حياته وانحيازه للمنهج السلمي في المقاومة، الذي توج بحصوله عام 1964 على جائزة نوبل للسلام.
تأثر مارتن لوثر خلال فترة دراسته في الجامعة بكتابات وفكرة غاندي عن العصيان المدني كسلاح من أجل التغيير، وكذلك فكرة المقاومة السلبية السلمية، وبينما كانت الأوضاع تنذر برد فعل عنيف يمكن أن يفجر أنهارا من الدماء في الولايات المتحدة، اختار مارتن لوثر كينغ طريقا آخر غير الدم، يعتمد على المقاومة السلمية.
وقد كان يستشهد دائماً بقول السيد المسيح : "أحب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنونك، وادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك". ومن الأقوال الشهيرة المأثورة عن مارتن لوثر كينج عن النضال السلمي:" يجب علينا ألا نسمح لتظاهرنا الخلاق أن ينحدر إلى مستوى العنف البدني.،و " على الرغم من الانتصارات المؤقتة التي تتحقق بالعنف، إلا أنه لا يجلب سلاما دائما أبدا."
وكانت دعوة مارتن لوثر كينج للمقاومة السلمية إيذاناً ببدء حقبة جديدة في حياة الأمريكان ذو الأصول الأفريقية، فكان النداء بمقاطعة شركة الحافلات الذي امتد عاما كاملاً أثر كثيراً على إيراداتها، حيث كان الأفارقة يمثلون 70 % من ركاب خطوطها.
ولأنه لم يكن هناك ما يدين مارتن فقد أُلقي القبض عليه بتهمة قيادة سيارته بسرعة 30 ميلاً في الساعة في منطقة أقصى سرعة فيها 25 ميلاً، وألقي به في زنزانة مع مجموعة من السكارى واللصوص والقتلة، وكان هذا الاعتقال الأول في حياته له أثر بالغ فيه، حيث شاهد وعانى بنفسه من أوضاع غير إنسانية، إلى أن أُفرج عنه بالضمان الشخصي، وبعدها بأربعة أيام فقط، وفي 30 يناير 1956م، كان مارتن يخطب في أنصاره حين ألقيت قنبلة على منزله كاد يفقد بسببها زوجته وابنه، وحين وصل إلى منزله وجد جمعا غاضبا من الافارقة مسلحين على استعداد للانتقام، لكنه خطب فيهم قائلا: "دعوا الذعر جانبا، ولا تفعلوا شيئا يمليه عليكم شعور الذعر، إننا لا ندعو إلى العنف".
وفي يونيو 1957 أصبح مارتن لوثر كينغ أصغر شخص وأول قسيس يحصل على ميدالية "سينجارن" التي تعطى سنوياً للشخص الذي يقدم مساهمات فعالة في مواجهة العلاقات العنصرية، وكان في السابعة والعشرين من عمره. وبهذه المناسبة وأمام نصب لنكولن التذكاري وجه كينغ خطابه الذي هاجم فيه الحزبين السياسيين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) وردد صيحته الشهيرة :"أعطونا حق الانتخاب"، ونجحت مساعيه في تسجيل خمسة ملايين من الأمريكان ذو الأصول الأفريقية في سجلات الناخبين في الجنوب.
وفي عام 1964 أطلقت مجلة "تايم" على كينغ لقب "رجل العام" فكان أول رجل من أصل أفريقي يمُنح هذا اللقب، ثم حصل في نفس العام على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف، حيث كان ذلك أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة -35 عاما-. ولم يتوقف عن مناقشة قضايا الفقر والسود وعمل على الدعوة إلى إعادة توزيع الدخول بشكل عادل.
وبينما كان كينج يواصل سعيه من أجل تحقيق أحلامه في الحرية والعدالة وحقوق الانسان، ويستعد لإلقاء خطية جديدة يحث فيها أنصاره على ذلك، كان هناك شخص عنصري يدعى جيمس إرل رأي، قد جاء للإقامة في نفس الفندق الذي كان يقيم فيه كينج، حيث أعطى إدارة الفندق اسما مزيفا، ومعه بندقية ذات منظار تلسكوبي وذخائر، وبينما كان كينغ يستند إلى جدار الشرفة كي يتبادل الحديث مع مساعده جيسي جاكسون الذي كان يقف على الأرض، فجأة سُمع دوى صوت طلقة، وانفجرت حنجرة كينغ ثم سقط على أرضية الشرفة، ولم تفلح محاولات انقاذه، لتنفجر بعد ذلك موجة عنف في الولايات المتحدة أصدرت على اثرها زوجته بيانا تناشد فيه الجميع بالتوقف عن العنف والعمل تحقيقاً لأحلام كينغ..
وبعد أسبوع من اغتياله، وقّع الرئيس الأمريكي ليندون جونسون قانون الحقوق المدنية الذي يضمن العدل والمساواة بين الأعراق والألوان والجنسين في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، ويلزم الإدارة الفدرالية بتنفيذ بنود ذلك القانون، وهو القانون الذي ألغى الرئيس الأمريكي ريجان آليات تنفيذه بواسطة الإدارة الفيدرالية بعد 14 عاما، رغم ما تحقق من مكتسبات وحقوق، لا تزال تتواصل حتى الآن الجهود من جانب العديد من السياسيين الناشطين والمثقفين للقضاء على ما تبقى من آثار التمييز العنصري ضد السود.
وقد كانت آخر الشهادات على ما تبقى في امريكا من مظاهر تمييز، ما ذكره المخرج الأمريكي الحائز على جائزة الأوسكار، مايكل مور، حين قال في شهادة له على أحداث اقتحام الكونجرس الأخيرة من جانب أنصار ترامب:"العنصريون البيض كانوا في كل مكان وسط ذلك الحشد الغوغائي. بعضهم ارتدى تيشرتات مكتوبا عليها 6 ملايين صوت لم يكونوا كافين. كان جيشنا وأقسام البوليس في أنحاء البلاد مخترقين بالبيض العنصريين المتشددين. والكل يعرف أنه لو كان هذا الحشد من السود، لكانوا كلهم قد أبيدوا. نحن بحاجة لأن نبدأ من جديد بمفهوم شامل عن العدالة الجنائية، وضباط جُدد معادين للعنصرية".