«منة الله» أول طفلة ميكانيكي بكفر الشيخ: «بشتغل وبدرس واواجه التنمر»

كتب: سمر عبد الرحمن

«منة الله» أول طفلة ميكانيكي بكفر الشيخ: «بشتغل وبدرس واواجه التنمر»

«منة الله» أول طفلة ميكانيكي بكفر الشيخ: «بشتغل وبدرس واواجه التنمر»

بـ«أفرول وبنطلون وملابس الشغل» وبعضاً من المسامير والأدوات، تقف الطفلة الأسطى منة الله السيد عبدالعزيز الصغير، مُنكبة على السيارات تحاول إصلاح أعطالها، الطفلة التي لم يتجاوز عمرها الـ14 عاماً، تجدها واقفة على قدميها كالرجال، تستبدل رائحة العطور برائحة الزيت والبنزين، لتساعد والدها في تربية أشقائها الـ4، ولحبها وشغفها بالمهنة التي تعلمتها من والدها.

لم تفكر الطفلة التي تعيش في قرية حامول العرب التابعة لمركز الحامول في محافظة كفر الشيخ، في نظرة الناس إليها، ولم تلتفت حول معايرتهم لها ومكناداتها بالـ«الأسطى منة»، بل عشقت اللقب وحولت سخرية الناس منها إلى طاقة عزيمة وإرادة، حتى أثبتت للجميع انها أفضل من 100 رجل، وتحدث العادات والتقاليد واقتحمت مهنة «الميكانيكا»، التي تُعد من المهن الصعبة.

عامان هما مدة عمل«منة الله»، في الميكانيكا، لكنها استطاعت بذكائها احتراف المهنة، حتى أن بعض الزبائن لدى ورشة والدها الصغيرة، يطلبونها لإصلاح سياراتهم بدلاً من والدها، «حبيت المهنة وعشقتها، كنت الأول بساعد بابا، في فك المسامير وأعمل حاجات خفيفة، لكن دلوقت بقيت أعمل كل حاجة الحمدلله، وبروح مدرستي الإعدادية بنات في الحامول عادي وبرجع اشتغل مع بابا»، بهذه الكلمات لخصت الطفلة حبها لميكانيكا السيارات.

لحظات صعبة في حياة منة الله:«كانوا بيتريقوا عليا»

كانت«منة الله»، تمر بلحظات صعبة كثيرة، خاصة مع عدم تقبل المواطنون ولا زملائها الطلاب لعملها كـ«ميكانيكي»، إلا أن الطفلة استطاعت تحويل كل الطاقات السلبية إلى إيجابية،:«أول ما فكرت انزل اتعلم واشتغل مع بابا، الناس كانت بتتريق عليا، وجيراني وأصحابي مكنوش متقلبلين الموضوع، لكن لقيت دعم من بابا وماما، وقررت أحول الطاقة السلبية لإيجابية، قولت لازم أثبت للناس اني احسن من مليون راجل، وكمان ظروفنا المادية الصعبة كانت دافع ليا اتعلم علشان أساعد بابا، خاصة إننا 6 أطفال أكبرنا شهد أكبر مني بسنة واحدة، وأصغرنا نسمة شهرين، وملناش مصدر دخل غير عمل أبويا».

شغف «منة الله»، وحبها للمهنة، دفعها لمواجة التعليقات الساخرة التي كانت تتلقاها أحيانا، وجعلها واحدة من مهرة المهنة،«أنا أول بنت في منطقتي أعمل في المهنة دي، وكنت بتلقى تعليقات ساخرة كتير، أولها أنتي بنت ولا ولد، على الرغم من أنني محجبة، لكن تعليقات الناس كانت للسخرية وخاصة الأطفال، لكن حبي للمهنة خلاني اتعلمها بسرعة، وبخاف على العربيات وبقيت ماهرة في إصلاح الأعطال»، هكذا تصف الطفلة نفسها.

المهنة صعبة ويرفضها المجتمع: «عندي صبر والناس بتطلبني»

مهنة صعبة لا يتحملها أحد، لكن عندما تطأ قدماك إلى الورشة الصغيرة، تجد «منة الله»، تقف وسط المعدات الثقيلة وقطع الغيار والزيوت والشحم، بأناملها الصغيرة تراها مُنكبة على السيارات وتقوم بإصلاحها بمهارة،«المهنة صعبة مش أي حد يتحملها، لكن اللي بيحبها وعنده صبر هيقدر يخلص فيها، لازم يكون عندك صبر علشان تتحمل الزبائن ، خاصة لو اول تعامل، عموماً الناس بتخاف ان بنت تشتغل في عربيتها مثلاً، لكن الثقة بتخليهم يطلبوك، ودا اللي حصل معايا»، تقولها منة الله بكل ثقة.

وعلى الرغم من المجتمع يرفض عمل الفتيات خاصة في المهن الشاقة، إلا أن أسرة«منة الله»، كانت أكبر داعم لها، «أميرة تشبهني كتير، وكانت بتساعدني قبل ما تشتغل معايا، كنت بلاحظ أنها عندها شغف تقف وتشوفني بعمل أيه، وفجأة قالتلي عاوزة اتعلم، فشجعتها برغم رفض المجتمع المحيط لينا في القرية»، بهذه العبارات أكد السيد عبدالعزيز الصغير، والد الطفلة منة، على دعمه والأسرة لها.

يعول الرجل الأربعيني الذي أجبره والده على ترك التعليم في سن صغيرة، أسرة مكونة من 8 أفراد، بينهم 6 أطفال، ولا يملك من حطام الدنيا شيئاً سوى مهنة الميكانيكا،«أبويا أجبرني على ترك التعليم وأنا في إبتدائي، واتعلمت الميكانيكا بناءً على رغبته وقدرت أكون بيت وأسرة، عندي 5 بنات وولد، ولما لقيت منة عندها شغف التعلم، قولت تساعدني بسبب ظروفي المادية الصعبة، فأنا اعيش في شقة معروشة بالقش والخشب، ولقيت منة جريئة وعندها شغف، كانت الأول صبي ودلوقتي معلمة، أسطى بجد أيديها تتلف في حرير».

نظرة الناس: «نفسي نغير نظرة المجتمع للبنت»

يلتصق الشحم والزيت بملابس الطفلة الصغيرة، التي تقف لساعات طويلة لإصلاح اعطال السيارات،«بتحل البوجيهات والمكنة وتصلحهم أحسن من أجدعها ميكانيكي، بس أنا نفسي توصل لمرحلة جهاز الكمبيوتر اللي بيكتشف أعطال السيارات، بس ظروفي صعبة مش قادر اشتريه، وهعلمها وهطلعها مهندسة ميكانيكا، علشان تبقى سند ليا ولأخواتها، الناس بقت بتطلبها بالاسم، وبتمنى تكون عندها استقلالية في حياتها لمواجهة ظروف المجتمع، أنا بشوف فيها الإخلاص في العمل وبنتج احسن من الأولاد اللي شغالين معايا، هي بمليون راجل بتدرس وتشتغل، ووكيل وزارة الرتبية والتعليم كرمتها، وأنا نفسي يكون عندي ورشة لأن بتشتغل في الشارع تحت البيت».

تزداد ثقتها بنفسها وتتمنى أن تتغير نظرة المجتمع للفتيات،«نفسي نظرة المجتمع تتغير في البنت، هي قادرة تعمل كل حاجة، وليها الحرية، بس محتاجة تواجه المجتمع بجرأة، وبقول لكل البنات اجتهدوا واشتغلوا وحدوا بالكم من دراستكم، وبتمنى أكون مهندسة ميكانيكا علشان أكمل حلمي».


مواضيع متعلقة