بريد الوطن.. مداعبات مع روح بريئة (قصة قصيرة)

بريد الوطن.. مداعبات مع روح بريئة (قصة قصيرة)
أجلس فى سيارة أجرة فى المقعد الأخير، فإذا بأبوين يحملان طفلة صغيرة لم تبلغ الرابعة من عمرها، كانا يُهدهدانها تارةً، وتارة أخرى يستجديان ابتسامتها، وكأنهما بتلك الابتسامة منها يطيبان خواطرهما وتسكن روحهما الجزعى، وعلى ما يبدو من ملامحهما وتجهمهما أن الطفلة مُصابة بمرض خطير.
كانت الأم تحملها على صدرها ووجه الطفلة البرىء المُنكسر الشاحب ينظر لى وعيناها شاخصتان نحوى، لم تلتفت لمداعباتهما ولا هدهدتهما، فما كان منِّى إلا أن ابتسمت فى وجه الطفلة فلم تُحرك ساكناً، حاولت جاهداً أن أتخلى عن وقارى وكياستى وأبدو طفلاً لاهياً، أو إن لزم الأمر (بلياتشو) الغاية أن تبتسم الطفلة من قلبها وتنسى ولو قليلاً وخزات الإبر ومرارة الدواء، ولم أدع الطفلة إلا وهى تقهقه فرحةً بى.
ظلت الطفلة كلما حاولت أمها إخماد رأسها تقوم على الفور وترفع يد أمها فى حركة رتيبة وعفوية وكأنها بندول ساعة لا يُخطئ دقاته، وأبواها لا يشعران بأمرنا، وكلما استرقا النظر للخلف استعدتُ سابق رزانتى ووقارى، وحينما استيأسا من مبعث ضحكاتها لم يجدا مفراً من التسليم والضحك معها بملء أفواههما.
الآن نفترق.. ها هم ينزلون.. الطفلة لا تريد أن تفارقنى.. تشبثت بذراعى القريبة منها وهما يحاولان إبعادها عنّى.. ويعتذران فى أدب جم وأنا أبسط لها ذراعى ولا أبالى بهما، وأمام هول الموقف تراجعت بوجهى للوراء خشية أن ترى هاتين الدمعتين الكبيرتين اللتين تهمان بالسقوط.
أشرف غازى
قاص مصرى - البحيرة
يتشرف باب "نبض الشارع" باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي bareed.elwatan@elwatannews.com