إبراهيم حجازي يكتب: ... هي دي الحكاية! (2)

إبراهيم حجازي يكتب: ... هي دي الحكاية! (2)
قبل أسبوعين الدولة أصدرت قراراً يقينى أنه مطلوب من قبل الزمن بزمن!. الدولة فى السنوات الست الماضية تسابق الزمن.. لأجل تشييد أكبر عدد من مشروعات البنية الأساسية الجبارة فى كافة المجالات.. فى أقل وقت لأجل أقل تكلفة.. حيث المستلزمات والخامات التى تأتى من الخارج.. تتضاعف أسعارها مع الوقت!
الدولة ما إن انتهت من المشروعات الجبارة المهمة.. جاء الدور على مشروع جبار آخر مهم.. ألا وهو انضباط الشارع المصرى!
الدولة بدأت بالمضمون.. الذى فى غيابه.. يستحيل ضبط الشكل!
المضمون.. هو أن نتفق جميعاً.. على أن نعرف جميعاً.. متى يستيقظ ومتى ينام الشارع المصرى!
إن عرفنا واتفقنا ونفذنا.. ننهى ما هو قائم من قبل الزمن بزمن وفق نظرية كل حاجة فى الشارع على الكيف.. وكل واحد «يعمل ما بَدَالُه»!
انضباط المضمون الذى يحكم الشارع هو الضمانة الوحيدة لضبط الشكل المتمثل فى سلوكياتنا فى الشارع!. أول قرارات الدولة لضبط الشارع المصرى وإنهاء حدوتة «على الكيف».. كانت تحديد مواعيد فتح وإغلاق كل ما هو قائم فى الشارع من أنشطة.. لأجل أن نعرف متى يستيقظ ومتى ينام الشارع لأننا لو عرفنا والتزمنا.. نوفر مليارات الجنيهات التى نهدرها فى شوارع سهرانة لا تنام ليلاً ولا تهدأ نهاراً.. ويا ريته بفايدة!
قرار الدولة بضبط نشاط الشارع بمواعيد.. لا هو حكم قراقوش ولا هى بدعة من عندنا.. إنما هى أمر واجب النفاذ من سنين طويلة طويلة.. رضينا فيها وخلالها أن يكون الشارع مباحاً مستباحاً.. عن قناعة تامة بأن الشارع بلا صاحب وعليه.. نرمى فيه ما نريد ونسير فيه كما نريد.. وكل واحد ومزاجه.. ما هو شارع «بَقَى»!
قرار الدولة بضبط الشارع.. يقضى على سلبيات لا حصر لها.. الخلاص منها يضبط أسلوب حياتنا.. ويوفر لنا مليارات الجنيهات.. نهدرها فى لا شىء!
ضبط الشارع أمر قائم ومتبع وأسلوب حياة فى دول العالم الكبيرة والصغيرة.. وتحضرنى هنا جملة شهيرة كتبها المبدع وحيد حامد فى الفيلم الرائع الإرهاب والكباب للزعيم عادل إمام والعظيمة يسرا. الجملة التى تكررت خلال الفيلم فى مواقف مختلفة.. على لسان الفنان السودانى محمد السنى دفع الله.. الذى لم يترك موقفاً كوميدياً إلا وقال: فى أوروبا والدول المتقدمة!
وأنا معه.. أوروبا والدول المتقدمة فيها أشياء عظيمة متقدمة نتمناها عندنا.. منها الانضباط التام فى الشارع.. وهذا أمر نحتاجه ويناسبنا ونتمناه عندنا! وهناك أشياء متقدمون فيها ولا يمكن أن نطبقها عندنا.. لأن نجاحهم فيها مرتبط بثقافة غير الثقافة وعادات وتقاليد غير العادات والتقاليد!
أيضاً فى أوروبا والدول المتقدمة أشياء قبلوها ويقومون بها.. يستحيل أن نقبلها أو نطبقها.. مثلاً زواج رجل برجل وامرأة بامرأة! كيف نقبل ما حرمته الأديان السماوية وتمقته الطبيعة الإنسانية! طيب لما الرجالة تتجوز رجالة والستات تتجوز ستات.. نجيب أجيال جديدة منين؟!
فى حكايتنا نريد أن نحذو مثل أوروبا والدول المتقدمة.. فى قناعتهم بأن «الصدفة» والفهلوة يستحيل أن تصنع حاضراً أو تبنى مستقبلاً! نريد أن نفرض الانضباط فى الشارع ونبدأ من الشارع.. ليس من باب التحكم.. إنما من منطلق وقف نزيف مال بلا عائد.. وجهد مستقطع من العمل والإنتاج! يعنى إيه؟
يعنى.. كل ساعة سهر.. هى إهدار لمليارات الجنيهات سنوياً بصورة مباشرة فى استهلاك كهرباء ووقود ومواصلات وطرق ومعدات! وبصورة غير مباشرة بتأثير السهر على كفاءة العمل والإنتاج! وهذا مثال أطرحه على حضراتكم والحكم لكم!
الدولة فى قرارها حددت العاشرة مساء موعداً للإغلاق فى منشآت حددتها.. تعالوا لنرى انعكاس القرار على مرفق مثل مترو الأنفاق.
اتصلت بالدكتور مهندس عصام والى رئيس هيئة مترو الأنفاق.. وسألته عن تكلفة تشغيل مترو الأنفاق فى الساعة.. قال:
مترو الأنفاق يعمل من السادسة صباحاً حتى الثانية عشرة مساءً.. أى يعمل 18 ساعة يومياً! مصاريف التشغيل والصيانة الدورية.. فى حدود 5 مليارات جنيه سنوياً.. ولأجل أن نعرف تكلفة ساعة التشغيل.. نقسم الـ5 مليارات على 365 يوماً على 18 ساعة.. الناتج 750 ألف جنيه هى تكلفة تشغيل المترو فى الساعة!
معنى هذا أن المترو لو توقف فى الحادية عشرة مساءً بدلاً من الثانية عشرة.. اعتباراً من أن الإغلاق سيتم فى العاشرة.. فهذا معناه توفير 750 ألف جنيه كل يوم من تكلفة التشغيل.. والأهم أننا رحَمْنا المترو وكافة المستلزمات التى يستخدمها فى التشغيل.. مثل القضبان وأسلاك شبكة الكهرباء والعربات والمقاعد والمحطات.. إلى آخره.. رحمناها ساعة من الاستهلاك وهذه فلوس غير منظورة.. يوضحها دكتور مهندس عصام والى بقوله:
قطار المترو 8 عربات.. سعره يبدأ من 12 وحتى 15 مليون دولار! القطار له صيانة متوسطة كل 5 سنوات وصيانة جسيمة كل 8 سنوات وتغيير قطار كل 18 سنة.. وكل ساعة توفير فى التشغيل.. توفر تكلفة كبيرة فى الصيانة!
كلام السيد رئيس هيئة مترو الأنفاق.. يوضح لنا أن ساعة واحدة نوفرها فى تشغيل المترو.. توفر قرابة الـ300 مليون جنيه فى السنة بخلاف تكلفة استهلاك المترو ومرافقه فى هذه الساعة! طيب وتكلفة ساعة الكهرباء والمياه واستهلاك الطرق وبقية المرافق ووقود كافة أنواع المركبات العامة والخاصة! نتكلم عن أموال بلا عدد.. ننفقها ونحن لا ندرى!
فى أوروبا والدول المتقدمة.. دولة مثل إيطاليا.. أى منشأة تقدم أى نشاط.. مبدئياً تغلق يوماً فى الأسبوع وشهراً فى السنة.. إجازة! السوبر ماركت على سبيل المثال يفتح 7 صباحاً ويغلق 8 مساءً ويغلق ساعة واحدة للغداء.. وهذا معمول به فى كل إيطاليا!
لا توجد منشأة واحدة أياً كان نشاطها مفتوحة بعد الثامنة مساءً.. باستثناء المطاعم الموجودة فى الأماكن السياحية وتغلق فى العاشرة مساءً! الصيدليات تغلق فى نفس المواعيد.. وفى كل حى صيدلية واحدة التى تعمل ليلاً وبالتناوب!
معنى هذا الكلام.. أنه لا يوجد مثلاً سوبر ماركت واحد فى إيطاليا كلها فاتح بعد الثامنة مساء! يعنى مفيش استهلاك كهرباء لملايين المنشآت من الثامنة مساءً! يعنى توفير طاقة هائلة! يعنى الكل نايم فى بيته بالكتير من العاشرة مساءً.. لأنه قايم من النوم فى الخامسة صباحاً لأجل العمل! الكل من بعد الثامنة مساءً «كانن» فى بيته! هيروح فين والبلد كلها قافلة والمواصلات العامة وقفت والحركة فى الشارع انعدمت.. يعنى طاقة كهرباء وبترول اتوفرت وطاقة بشر اتحفظت بالنوم بدرى!
عارفين حضراتكم يعنى إيه بلد سهرانة 24 ساعة؟! يعنى استهلاك ليل نهار.. للبشر والطاقة والطرق.. يعنى هَلْك للمكان والبشر كمان!
يعنى المليارات اللى بنصرفها على الناس السهرانة.. نفتح بيها بيوت «ياما» للناس الشقيانة.. وهى دى الحكاية!