آخر ما كتبه الصادق المهدي عن إصابته بكورونا: الألم خير واعظ لصاحبه

آخر ما كتبه الصادق المهدي عن إصابته بكورونا: الألم خير واعظ لصاحبه
بينما رحل عن عالمنا اليوم زعيم حزب الأمة الراحل الصادق المهدي، نشرت صحف سودانية، كلماته الأخيرة التي كتبها تحت عنوان "تأملات في فقه السعادة والمشقة أو المراضة"، والتي ذكر فيها السودانيين أنه رغم أن البعض يعتبره محظوظا وأنه ولد وفي فمه ملعقة من فضة فإنه تعرض لمشاق لم يعانيها أحد مثله، حيث اعتقل لأكثر من 8 سنوات ونفي 12 عاما، واقترب حبل المشنقة من رقبته 4 مرات، واعتبر الصادق في رسالته الأخيرة أن المرض كان فرصة له للمراجعة ونقد الذات.
وقال المهدي، في رسالته الأخيرة المؤرخة بتاريخ 5 نوفمبر والتي نشرتها صحيفة السوداني: "نشأت في ظروف اجتماعية جعلت كثيرين يعتبرونني ولدت لأتناول صفو الحياة بملعقة من فضة.. ولكن الذي حدث لي بالفعل أني تناولت الحياة فعلاً بملاعق من حديد حامٍ تشوي القلوب والجلود: سجنت 8,5 عاماً، وحوالي 12 عاماً منفى، ومصادرة مرتين، وحكم بالإعدام مرة، واتهامات عقوبتها الإعدام ثلاث مرات في يونيو 1970م، وفي مايو 2014، وفي أبريل 2018م".
مشاق واجتهادات
وأضاف المهدي: "ما تعرضت له من مشاق دفعني لاجتهادات نضالية وفكرية غير مسبوقة في جيلي: انتخابات لرئاسات وأنا في نعومة أظفاري، ويعلم الله فُرضت علي بإرادة الجماهير لا بتدابيري. وألفت من الكتب في شتى الموضوعات"، متابعا: "لا يمكن لشخص خاصة في بلادنا ينال حظاً مرموقاً ينجو من إبر النحل التي أحبطت بعض أحبابي، ولكن توالى غيث ضمد الإبر بالعسل.. وهضمت وقع النبال بأنها إما نقد يفيد من باب: رحم الله امرئ أهدى لنا عيوبنا، أو هي جائرة تدر عليّ عطفاً".
وتعرض المهدي في رسالته الأخيرة تلك لإصابته بفيروس كورونا، قائلا: "من أدهش ما منيت به مقولة: الصادق أعجوبة! وأنه لا يمرض.. وههنا أقف عند المحطة الراهنة في حياتي حيث أصبت بداء كورونا منذ 27 أكتوبر 2020م، فاجعة مؤلمة وضعتني في ثياب أيوب"، مشيرا إلى أن "ألم المرض خير فترة لمراجعة الحسابات الفردية والأخلاقية والاجتماعية، ومن تمر به الآلام دون مراجعات تفوته ثمرات العظات"، حيث إنه "في كل مناحي الحياة فإن الألم خير واعظ لصاحبه. النقد الذاتي من أهم أدوات الإصلاح، والرضا عن الذات يقفل باب النفس اللوامة".
بلسم الحياة
ولكن أمرين هما بلسم الحياة: الإيمان بالله وبما في سورة الجن (فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) والثاني حب الناس: فإن نفساً لم يشرق الحب فيها هي نفس لم تدر ما معناها، صحيح بعضنا أحس نحوي في المرض بالشماتة، ولكن والله ما غمرني من محبة لا يجاري، وقديماً قيل: ألسنة الخلق أقلام الحق".
ويؤكد الكاتب والخبير في الشئون السودانية خالد محمود، أن رسالة المهدي تلك، هي بالفعل آخر ما كتب، نظر لأنه بعد تاريخ كتابته لها، 5 نوفمبر، تطورت حالته المرضية ولم يعد في حالة تسمح له بالكتابة، معتبرا أن هذه الرسالة تحمل الكثير من الدلائل حول هذه الشخصية المهمة والفريدة في الحياة السياسية السودانية.
عائلة تراجيدية
وقال محمود لـ"الوطن": "إن ما قاله المهدي، يشير إلى أنه رغم أنه صحيح ولد لأسرة ميسورة تمتلك آلاف الأفدنة في السودان، إلا أنه ينطبق عليه ما ينطبق على عائلته، وهي أنها عائلة تراجيدية، تشبه عائلة كينيدي في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي كما حكمت ووصلت لذروة المجد، فإنها تعرضت لأزمات من النفي والتشريد والاعتقالات".
وأضاف محمود: "أخطر ما كتبه المهدي في هذه الرسالة، هو كلامه عن إيمانه بمبدأ مراجعة الذات والنقد الذاتي، وهي فضيلة مفتقدة لدى كثير من السياسيين العرب، ويرتبط ما كتبه هنا عن النقد الذاتي بما ارتكبه من أخطاء كان مصدرها بالتأكيد قدرته على الجمع بين المتناقضات، حيث كان نموذجا فريدا يؤمن بالديمقراطية، وفي نفس الوقت يرأس طائفة دينية هي طائفة الأنصار، وكان له وجها تقليديا وآخر حداثيا".