هنا الطلبة الشقيانين.. أيقونات الثانوية العامة 2020 يجتمعون في أولى طب "صور"

كتب: فادية إيهاب ومحمد عبدالعزيز

هنا الطلبة الشقيانين.. أيقونات الثانوية العامة 2020 يجتمعون في أولى طب "صور"

هنا الطلبة الشقيانين.. أيقونات الثانوية العامة 2020 يجتمعون في أولى طب "صور"

تعب الأبدان لم ينل من عزيمتهم وتمسكهم بالحلم.. مضى كل منهم فى طريقه، ساعياً إلى كسب رزقٍ يعينه على ظروف الحياة، ويدفعه إلى الأمام صوب هدفه، بالالتحاق بكلية الطب جامعة الإسكندرية، وبث أمل فى قلوب ملايين يعيشون نفس الظروف، بقرب الحصاد، فما ضاع حق وراءه مطالب.

على أعتاب الكلية، سقطت ألقابهم «بائع الفريسكا.. بائعة الأحذية.. ابنة حارس العقار.. ابنة بائعة الخضار»، ليحملوا جميعاً اللقب الأحب إلى قلوبهم «طالب الطب»، عاقدين العزم على مواصلة طريق التفوق، حتى وإن أقلقهم البعد عن الأهل والأصدقاء، فلا وقت لحنين وذكريات، ولا مجال إلا للدراسة والكفاح.

"إبراهيم": ودّعت الشهرة وأغلقت الهاتف.. مستقبلى أهم

ارتدى قميصاً مهندماً أخضر اللون، وساعة بسيطة بيده اليسرى، ولم ينسَ الكمامة، حاملاً حقيبته ومتوجهاً صوب أولى خطوات تحقيق حلمه، حيث كلية الطب بجامعة الإسكندرية، ليكون بين طلاب الفرقة الأولى. هكذا بدأ إبراهيم عبدالناصر، المعروف إعلامياً بـ«بائع الفريسكا»، فصلاً جديداً من حياته، بعد تفوقه فى الثانوية العامة وحصوله على مجموع أكثر من 99%، باعثاً الأمل لشباب كثر يعيشون ظروفاً صعبة، ومتمسكين بالحلم.

شعور بالسعادة والفخر لازم «إبراهيم» فى أول يوم دراسة، مطلقاً العنان لدموع الفرحة تملأ وجهه، بحسب ما عبر عنه: «عينى دمعت لما دخلت الكلية.. مجهود وتعب سنين جنيته فى لحظة»، ليجد الشاب الطموح نفسه معروفاً بين زملائه وأساتذته بمجرد أن وطئت قدماه الكلية، ولاقى تشجيعاً وثناء زاده حماساً للتفوق، وبادلهم التعامل الراقى المغلف بفرحة وتعاون: «من فرحتهم بيا اتصوروا سيلفى معايا». لم تشغل بال «إبراهيم» السيارة التى حصل عليها كهدية لتفوقه بعد شيوع قصته، ولم يفكر فى الذهاب بها إلى كليته، مبرراً ذلك بأنه لا يريد أن يكون متميزاً عن أصدقائه، بجانب عدم تمكنه من قيادتها، لذلك اعتمد على وسائل المواصلات للوصول إلى «طب الإسكندرية».

يوم فى الأسبوع.. محاضرات "إبراهيم"

تعلُّم قيادة السيارة، ليس من أولويات «إبراهيم» فى الوقت الحالى، كونه يركز على الدراسة، كما يغلق هاتفه باستمرار، حتى لا يضيع وقته: «بحاول أبعد عن الإعلام عشان أتحمل المسئولية، وأبقى عند ثقة الناس بيا»، فضلاً عن التحاقة بدورات لتعلم اللغة الإنجليزية، لتعينه على الدراسة بالكلية، التى يذهب إليها مرة واحدة فى الأسبوع فى ظل الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد: «عايز الناس كلها تدعى لى، وهبقى عند حسن ظنهم، وهاستكمل رحلة التفوق».

"هبة": محاضرات وكتب وصداقات جديدة.. سنة أولى "طب"

بملابس بسيطة ووجه مشرق تعلوه الابتسامة، وطئت قدم «هبة» أسوار كلية الطب جامعة الإسكندرية، لتبدأ أولى خطواتها نحو تحقيق حلمها، بأن تكون طبيبة تداوى جراح من لا يملكون ثمن العلاج.

فرحة هبة حامد محمود، المعروفة إعلامياً باسم «ابنة حارس العقار»، بالالتحاق بالكلية يفوقها اعتزازها بوالدها، الذى تدين له بالفضل فى ما وصلت إليه، فلم يبخل يوماً بنفقات تعليمها ودروسها، ودخله الشهرى لا يتعدى ألف جنيه، كحارس لعقار بمنطقة «فلمنج» شرقى الإسكندرية.

«أول ما عديت من باب الكلية حسيت وكأن كل تعب المذاكرة راح وربنا حقق دعائى»، بحسب «هبة»، التى تحمس لقصة كفاحها الدكتور عصام الكردى، رئيس جامعة الإسكندرية، واستجاب لرغبتها وأصدر قراراً بالتحاقها بكلية الطب بمنحة مجانية، فظروفها المادية لا تتحمل نفقات دراسة الطب.

اليوم الأول لـ«هبة» فى الكلية كان مميزاً، لم يكن بمقدور والدتها أن تتركها وحدها دون مشاركتها الفرحة، فذهبتا معاً، وافترقتا عند باب الكلية، لتواجه الشابة الطموحة مصيرها: «قابلت أصحابى واتعرفت على ناس جديدة، ومتفائلة بالدراسة فى الكلية، وأتمنى التوفيق».

محاضرات "أونلاين" وبنك المعرفة يشغل بال "هبة"

لم يتعرف على «هبة» زملاء بالكلية، وبدت كأى طالب آخر، يسعى لتكوين صداقات جديدة، والتعرف على نظام الدراسة، موضحة أن أصدقاءها الجدد من محافظات مختلفة، وانشغلوا فى أولى المحاضرات بكيفية الحصول على المحاضرات «أون لاين» واستخدام بنك المعرفة المصرى، ولم تكتفِ «هبة» بحضور المحاضرات، وتدوين أهم النقاط التى أثيرت خلال المحاضرة، وإنما قررت شراء الكتب الجديدة، لاسترجاع دروسها أولاً بأول وبشكل جدى، عاقدة العزم على مواصلة النجاح وبتفوق.

"ياسمين": دعت لى ورافقتنى للكلية.. "أمى فى ضهرى"

فرحة والدتها ربما فاقت الالتحاق بكلية الطب بجامعة الإسكندرية، ففى لحظة نسيت سنوات الشقاء فى سوق الخضار ومرض الزوج، وشعرت بالفخر تجاه ابنتها، التى أصرت على تنحيتها جانباً عن العمل، للتركيز فى المذاكرة، حتى حصلت على مجموع 99.15% أهّلها لدراسة الطب. ياسمين يوسف البياع، لن تنسى أول يوم فى الجامعة، ليس فقط لفرحتها بالمدرج والزملاء، وإنما لمرافقة والدتها لها طريقها إلى الجامعة، وبداخلهما شعور بسعادة واعتزاز بالنفس لا يوصف.

«مبسوطة جداً إنى حققت حلمى، ودخلت الكلية»، بسعادة قالتها «ياسمين» وحكت عن اليوم الأول لها بـ«طب الإسكندرية»: «انتابنى مزيج من المشاعر، كنت مبسوطة وتعبانة فى نفس الوقت ومتوترة، بس كنت حاسة إنى هشوف عالم تانى مختلف.. ويارب يكون حلو».

خوف والدتها عليها دفعها للذهاب معها فى أول يوم جامعة، ليس ذلك فحسب، بل انتظرتها أمام الجامعة لحين انتهاء محاضراتها والعودة معاً إلى البيت: «والدتى كانت بتدعيلى كتير، وتقول لى ربنا يكرمك وتقدرى تساعدى كل الناس».

ردود فعل متباينة لاقتها فى كلية الطب، فاستقبلها بعض الزملاء بسعادة والتقطوا «سيلفى» معاً، بينما لم يكتشف آخرون أنها «ياسمين»، الطالبة التى تحدث عنها الجميع الأيام الماضية: «صحابى كانوا مبسوطين وفرحانين، وعاوزين إنى أتصور معاهم، ورغم إنى مابحبش الصور امتثلت لرغبتهم واتصورت، وفى نفس الوقت طلاب كتير لا اتكلموا معايا ولا عرفونى، والصراحة كده أحسن، أنا كده مرتاحة أكتر».

علاج الفيروسات بالجينات.. حلم "ياسمين"

تتمنى «ياسمين» أن تفيد الجميع بالتحاقها بـ«طب الإسكندرية»، مؤكدة أن لها هدفاً تسعى لتحقيقه: «نفسى أعمل علاج للفيروسات اللى بتهاجمنا، بس مش علاج كيميائى، علاج باستخدام الجينات، بس مش عارفة أبدأ منين وإزاى».

"آية": لأول مرة بعيداً عن أهلى من المدرج لـ"مدينة الطلبة"

شعور بالفرحة تسلل إلى قلبها بمجرد أن فتحت عينيها باكراً فى أول أيام العام الدراسى الجديد، ارتدت ملابسها الجديدة، قبَّلتها والدتها وحضنتها بالدموع، داعية المولى أن يوفقها ويكفيها شر الطريق.. آية طه حسين كانت حديث ومحط أنظار الجميع، بعد تفوقها فى الثانوية العامة بمجموع 99.5%، رغم مساعدتها لوالدتها فى بيع الأحذية، لتُعرف إعلامياً بـ«بائعة الأحذية»، وتحصل على منحة من الأزهر الشريف لدراسة الطب بجامعة الإسكندرية.

بائعة للأحذية فى الإجازة.. قرار "آية"

«كنت فرحانة جداً إنى شفت الجامعة والكلية، كانت حاجة مبهجة، وانبسطت أكتر لما شفت المدرج والطلبة والدكاترة»، قالتها آية، محاولة وصف شعور غريب انتابها بين فخر واعتزاز، رغم أن زملاءها فى الكلية لم يعرفوها: «اتقسمنا مجموعات، كل 100 فى مجموعة، بس زملائى فى الكلية ماعرفونيش، والمدرج كله لطلاب من دول تانية».

تستعد «آية» إيضاً للالتحاق بالمدينة الجامعية خلال أيام، ورغم فخرها بما حققته، تشعر بالحزن بسبب اضطرارها للإقامة بعيداً عن أهلها خلال الفترة المقبلة، حيث تدرس فى الإسكندرية بينما يقيم أهلها فى محافظة البحيرة: «زعلانة إنى هكون بعيدة عن أهلى، بس مستقبلى أهم ولازم أسعى عشان أحقق أحلامى».

تسعى «آية» فى أيام دراستها الأولى بالكلية إلى تكوين صداقات جديدة، تعرّفت على زميلة، وعبّرت لها عن سعادتها بمعرفتها، متمنية أن تدوم علاقتهما: «قالت لى إنها فرحانة إن فيه بنات زيى، وإنى رغم الظروف الصعبة وصلت لحلمى، وفرحانة إن احنا هنكون أصحاب».

لا تعمل «آية» مع والدتها بسبب انشغالها بدراستها وكليتها، لكنها اتفقت معها على وجودها بجانبها خلال إجازة الفصل الدراسى الأول: «انشغالى بدراستى خلانى أبعد عنها، بس اتكلمت مع ماما إنى هأقعد معاها فى الإجازة، ومتطمنة عليها عشان المحافظ جاب لها كشك تبيع فيه الأحذية وترص فيه البضاعة».

كما تحاول «آية» الالتحاق بدورات تدريبية فى بعض مواد الكلية واللغة الإنجليزية، لتكون مستعدة للدراسة والتفوق كعادتها.


مواضيع متعلقة