نيران "ثقافة بني سويف" تحيا مع ضحاياها بعد 15 سنة.. "عاهة وعكاز وألم"

كتب: عبدالله مجدي

نيران "ثقافة بني سويف" تحيا مع ضحاياها بعد 15 سنة.. "عاهة وعكاز وألم"

نيران "ثقافة بني سويف" تحيا مع ضحاياها بعد 15 سنة.. "عاهة وعكاز وألم"

خمسة عشر عاما مرت على حريق قصر ثقافة بني سويف، الذكرى الأكثر مأساوية في تاريخ المسرح المصري، التي نتجت عن سقوط شمعة داخل المسرح، أشعلت النيران في الستائر والديكورات الخلفية، لتتسبب في وفاة أكثر من 50 مبدعًا، بين فنانين ومسرحيين ونقاد، وإصابة 23 شخصًا بإصابات بالغة.

الحريق بدأ وحشيا يفترس كل ما في المكان، أعداد كبيرة تحاول الهروب من تلك النيران المشتعلة التي تأكل كل من في طريقها، تدافع وتزاحم وسقوط وإغماء، ثم عينان تُفتحان داخل مستشفى، لا تشاهد أمامها سوى أجساد المصابين، التي تفوح منها رائحة الجلود المحترقة، مشاهد مر عليها 15 عامًا، إلا أن حمدي طلبة، الرجل الخمسيني أحد ضحايا الحادث، يراها دومًا في قدمه التي لا يستطيع السير عليها دون استخدام "العكاز"، تلك العصا المعدنية التي صارت رفيقا له لا يستطيع أن يتخلى عنه، منذ إصابته بحروق في أماكن متعددة من جسده في أثناء حريق قصر ثقافة بني سويف في سبتمبر من عام 2005.

تكريم الأب الروحي المخرج سمير طه، ذلك هو الهدف الذي دفع "طلبة" للسفر من مسقط رأسه في المنيا إلى محافظة بني سويف، حيث يعمل مخرجًا مسرحيًا، وقرر رفقة عدد من المسرحيين تكريمه لمجهوداته الكبيرة في الأعمال المسرحية وللنوادي والقصور الثقافية، فحبه وتقديره له كان أكبر من أن يقف في طريقه حاجز الوقت والمسافات.

عرض "من منّا" كانت تقدمه إحدى الفرق المسرحية من محافظة الفيوم على مسرح قصر ثقافة بني سويف في ذلك اليوم المشؤوم، ويحكي قصة داخل حديقة الحيوان "المخرج حاول يعيشنا في الأجواء، فأغلق بعض الأبواب، وعمل خفض لمستوي باب آخر حتى ندخله في انحناء"، كما كانت الديكورات من أوراق شكائر الإسمنت واستخدم فيه مادة "التنر"، لتسقط شمعة أثناء العرض تتسبب في إشعال القاعة بأكملها في ثواني.

الحادث أجبر وزير الثقافة حينها الدكتور فاروق حسني التقدم باستقالته من المنصب الذى شغله منذ عام 1987، إلا أن الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، رفض الاستقالة، عقب مرور عام من الحادث، صدر حكم محكمة جنح بندر بنى سويف ضد المتهمين وهم مصطفى علوى رئيس هيئة قصور الثقافة وقتها و 7 آخرين من الموظفين بالحبس 10 سنوات مع الشغل وكفالة 10 آلاف جنيه لكل منهم، كما ألزمت وزير الثقافة بدفع تعويضات لأهالي الضحايا.

صراخ وعويل، محاولات للهروب من النيران وسعي دؤوب لإطفائها، الحوائط تحولت لجمر من نار، واللهب يأكل الأشخاص المتواجدين داخل القاعة، تلك هي المشاهد التي ظلت في عقل "طلبة"، قبل أن يفقد وعيه، لساعات طويلة، ليستفيق ويجد نفسه مستشفى بني سويف العام، وحوله العديد من المثقفين الذين طالتهم ألسنة النيران، ثم يخوض رحلة طويلة من العلاج، استمرت سنوات طويلة، حيث بلغت نسبه الجروح في جسده 55%.

"عملت حوالي 9 عمليات في ضهري وبطني ورجلي" كلمات عبر بها لـ"الوطن"، عن المعاناة التي مر بها خلال رحلة علاجه الطويلة، والتي تحملت الدولة تكاليف أول عامين منها، قبل أن تدفع نقابة المهن التمثيلية نفقات بعض العمليات التي أجراها، ليستكمل هو على نفقته الخاصة الرحلة الطويلة التي لم تنته دون ترك بصمة على جسده تتمثل في عاهة مستديمة في قدمه جعلته يمشي دوما مستعينا بعكازه.

أول زيارة للمخرج المسرحي لقصر ثقافة بني سويف منذ الحريق، كانت بعد 10 سنوات من المأساة، فرغم الحادث الذي تعرض له بداخله، والعاهة التي تركها على جسده، لم يهجر العمل المسرحي "كنت بخرج أحد العروض المسرحية هناك"، فورة أن دخله تذكر نداءات الاستغاثة التي كان يطلقونها، أشكال النيران وهي تلتهم كل شيء حولهم، كافة الألم التي عاني منها خلال رحلة علاجه من أثار ذلك الحريق.


مواضيع متعلقة