سفينة سالم إكسبريس.. مقبرة 450 ضحية تتحول لمتعة خادعة بعد عقدين من التحطم

سفينة سالم إكسبريس.. مقبرة 450 ضحية تتحول لمتعة خادعة بعد عقدين من التحطم
- سالم اكسبريس
- العبارة سالم اكسبريس
- غطس الحطام
- سفاجا
- غرق العبارة
- سالم اكسبريس
- العبارة سالم اكسبريس
- غطس الحطام
- سفاجا
- غرق العبارة
قاربت الثلاثين عاما على غرق سفينة سالم إكسبريس، المعروفة بعبارة الصعايدة، في لحظة توقفت خلالها نبضات عالم فسيح احتفظ بملامحه على أعماق البحر الأحمر، تاركًا ندبات لم تنتهِ في القلوب وفضول مستمر رغم عتمة الموت حوله، فدفنت تحت سطح البحر ومعها أحلام وحكايات مئات المغتربين، ليغرق ما تبقى من العمر المهدر في الغربة دون أن يروا فرحة الأعين في استقبالهم أو يشموا رائحة الملابس الجديدة وهم يهدوها لأسرهم، أو يستمتعوا بالسماع لـ"شريط كاسيت" في "المسجل" الجديد.
الساعة الحادية عشرة مساء، يوم 15 ديسمبر لعام 1991، ربان سفينة "سالم إكسبريس" حسن مورو، يُبلغ ميناء سفاجا بأنه سيدخل منطقة الشمندورات خلال نصف ساعة، ثمة دقائق قليلة مرت على الاتصال الأول، ميناء سفاجا يسمع آخر رسالة لـ"مورو"، وهو يستغيث ويعاني من جنوح السفينة نتيجة اصطدامها بالشعاب المرجانية الموجودة في جنوب الميناء على بعد 16 كيلو متر من الميناء، وأنه يتعرض للغرق، وطلب الإنقاذ والنجدة الفورية، نظرًا لاندفاع الماء داخل السفينة، وميلها 14 درجة تمامًا.
1032 حصيلة الأحلام الغارقة، وآلاف الكلمات المهداة التي حملوها من أصدقائهم في الغربة "جوابات - وأشرطة مسجلة بأصواتهم" فلكل شخص راح على متن العبارة "سالم أكسبريس"، حلم ولكل حلم مكوناته الصغيرة وتباعاته الكثيرة وآلام لا تنتهي، شهد الغواصون آثارها فعلقت في ضمائرهم تاركة آلام جديدة في قلوب أغراب ألفوا المكان وعاشوه.
نجل أحد ضحايا العبارة "سالم اكسبريس": والدي سافر لأجل المستقبل فعاد في كفنه
بينما يصارع عوض محمد أحد ركاب العبارة الأمواج، آملا في النجاة، كان نجله "علي"، والبالغ من العمر حينها 12 عاما، ينتظره بشغف في منزله بمحافظة سوهاج، يساعد والدته في ترتيب المنزل الذي تركه والده قبل عام للبحث عن فرص عمل في المملكة، يسهم في تحسين مستوى معيشة الأسرة، "لسه فاكر اليوم ده، صحيت بدري وبدأت في تعليق الزينة في البيت ومساعدة والدتي في تنظيف المنزل".
القلق تسلل إلى قلب الأسرة وخاصة "علي" الذي روى تفاصيل تلك اللحظات، حينما سمعت أنباء عن وجود عطل في الباخرة سالم، والتي كانت تنقل العائدين، "مكنش في بالنا في البداية أنه غرق، وافتكرنا أنها مجردة مشكلة صغيرة هتتحل"، الساعات تمر والقلق لا ينتهي، حتى أعلنت القنوات الإخبارية، أن السفينة تعرضت للغرق، وهناك عدد كبير من الضحايا".
تحركا العم والأم إلى ميناء سفاجا على الفور، عقب إعلان الخبر، بحثا عن الأب، "وفضلت في البيت خايف وقلقان ومش عارف حاجة"، حتى تفاجأ بجثمان والده بعد عدة أيام من الغرق، يودعه في مسجد القرية، "إحساس قاس إنك تفقد الأب اللي سافر عشان يجبلك معاه الأحلام والمستقبل، كان وعدني بالعجلة واللبس الجديد".
شيرلوت فرنسية غطست لاستكشاف "سالم إكسبريس": الحطام جعلني أشعر أنني أسمع أصوات استثغاثات الركاب
10 ساعات خاضتها السيدة الفرنسية الأربعينية شيرلوت مارينو، في رحلة طيران أقلعت من مطار ليون بفرنسا في عام 2018، إلى مطار الغردقة، لزيارة حطام السفينة المصرية سالم إكسبريس، بعدما سعمت عن العبارة وشاهدت بعض الصور، قررت زيارتها ضمن برنامج سياحي خططت له في مصر.
"الواقع كان أبشع من الصور التي شاهدتها"، بهذه الكلمات بدأت "شيرلوت" حديثها لـ"الوطن"، ففور دخولها إلى العبارة شعرت وكأنها تسمع أصوات استغاثات الركاب، تتخيل محاربتهم للأمواج محاولين النجاة للعودة لأسرهم بعد رحلة كانت تهدف لقضاء شريعة دينية أو العمل لضمان مستقبل أفضل لأسرهم التي كانت تنتظرهم بشغف على الشاطئ.
العديد من مواقع الحطام في العالم خاضت فيها السيدة الفرنسية تجربة غوص الحطام، فذهبت إلى كندا وشاهدت اليخت جونيلدا والذي تم وصفه بأنه الأكثر فخامة في القرن العشرين، وبعض السفن العسكرية الخاصة بالحرب العالمية الثانية، "لكن كانت سالم إكسبريس من أصعب ما رأيت".
سمية غطاسة مصرية زارت الحطام: بعض الأجانب يصابون بالاكتئاب بعد مشاهدتهم الحطام
على عمق 16 كيلو مترا تحت البحر، زارت سمية زيدان مدربة الغوص، حطام السفينة الغارقة مرات عديدة، وتروي لـ"الوطن"، أنها في كل مرة تعيش حالة من الحزن والاكتئاب عقب خروجها إلى الشاطئ، لكن زيارتها لهذا المكان ليست وفق رغبتها، حيث يحرص عدد من الأجانب القدوم إلى مصر لزيارة تلك السفينة.
حقائب ملطخة بالدماء، ذكريات ما بين أشرطة الكاسيت تراها عينيها، وحلم بمعيشة أفضل تاه بين الأدوات الكهربائية الجديدة، وهديا أطفال ما بين دراجات وملابس لم ترى النور، تفاصيل بشعة ومأساوية تصفها مدربة الغوض، "لما بدخل أوضة الحقائب بحس أني كنت معاهم"، لتخرج بعد كل رحلة غوص بحاجة إلى راحة من كم الألم النفسية التي شاهدتها.
بعض الأحيان يتطلب من "سمية"، نسيان آلامها النفسية ومواساة بعض أفراد الأجانب الذين جاءوا لزيارة الحطام، إذ يخرج منهم البعض في حالة نفسية سيئة تصل لدرجة البكاء"، مما يتطلب منها أن تكون على قدر المسؤولية والتخفيف عنهم، وأن تخفي الحزن الذي تشعر به في داخلها.
عام 1966 بُنيت السفينة "سالم" التابعة لشركة سما تورز، إذ تم تشييدها بفرنسا تحت إشراف هيئة التسجيل الفرنسية، وصُنفت كارثة الغرق – حينها - كأسوأ كارثة بحرية في القرن العشرين، وهى من أكبر ثلاث فواجع بحرية مصرية في سجل الحوادث العالمية بحكم عدد الضحايا بعد حادث باترا وحادث السفينة النيلية 10 رمضان، حيث سقط في "سالم" قرابة 450 ضحية، فيما ضمت الحادثة ضحايا من جنسيات أخرى مثل زائير كـ "سعيد المرسازي" الذي كان ذاهبا لأداء العمرة.
طريق روتيني اعتاد الغواص سعيد محمد أن يسلكه برفقة الأفواج السياحية الراغبة في زيارة العبارة سالم إكسبريس، يبدأ من ركوب أحد اليخوت لمدة ساعة في البحر للوصول إلى موقع الحطام، والغوص لعمق 17 كيلو تحت المياه حتى يبدأ سطح المركب الغارقة في الظهور أمام أعين الغواصين، ومعه تكون رحلة الاستكشاف، حسب حديثه لـ"الوطن".
يغوص الزوار بين طرقات المركب وغرفها يشاهدون ما تحويه من سيارات وأجهزة كهربائية وملابس، وبعض الحقائب التي مازالت أسماء اصحابها متواجدة عليها، "في البداية يتخيلون أنها مجردة زيارة، ولكنهم يصطدمون ببشاعة ما حدث، وفي بعض الأحيان لم يستعطوا استكمال مشاهدة حطام المركب ويطلبون بالخروج فورا منها".
آخر زيارة لذلك الموقع قام بها "سعيد"، كانت قبل عام ونصف مع مجموعة من الفرنسين، إلا أنه إلى الآن يتمني إلا يطلب منه الذهاب إلى هناك مرة أخرى، "تلقائيا أول لما تشوف الصور أو تزور المركب تلاقي نفسك بتتخيل ما حدث لهم، ومحاولتهم للنجاة وأصوات صراخهم".