"الوطن" على باب منزل مؤمن زكريا: حكايات التواضع والجدعنة ودعوات الفجر

كتب: كريم عثمان

"الوطن" على باب منزل مؤمن زكريا: حكايات التواضع والجدعنة ودعوات الفجر

"الوطن" على باب منزل مؤمن زكريا: حكايات التواضع والجدعنة ودعوات الفجر

شارع واسع تتلاحم فيه البيوت مع المحلات المتناثرة على جانبيه، يميزه السكون رغم ما به من حرف مختلفة، يتوسط حي مدينة نصر بالقاهرة، الصمت يخيم على الحضور، كل مشغول في عمله، وكأنهم اتفقوا فيما بينهم على توفير أجواء هادئة لنجمهم المفضل، الذي طالما كان مصدراً لسعادة الكثيرين من أبناء المنطقة، الصغار والكبار يعرفون مكان بيته، ينظرون إليه ولسان حالهم يقول: "هنا يقيم سفير سعادة الأهلاوية"، في عمارة "الزهور"، بشارع "عبد الحكيم الرفاعي"، مقر إقامة اللاعب مؤمن زكريا، جناح النادي الأهلي ومنتخب مصر.

أمام هذا المنزل المكون من 10 طوابق، لطالما وقفت جماهير "المارد الأحمر"، تارةً لتقديم التحية لـ"المؤ"، بعد تألقه في مبارة قمة ساخنة، وتارةً أخرى لتقديم الدعم والتشجيع له، بعد إصابته بمرض "التصلب الجانبي الضموري"، ليبدأ في خوض رحلة علاجية، رفيقه فيها حب الجمهور، وعكازه مساندة ناديه، وسلاحه تألقه وأهدافه التي تركت بصمة في أذهان محبيه.

بعد عبور بوابة حديدية عتيقة، يميزها اللون الأسود، استقبلنا بهو واسع، قبل أن نصعد درجتين تفصلان بين المدخل و"أسانسير" العمارة، وبالضغط على زر الطابق السابع، توقف المصعد أمام شقة مؤمن زكريا، لتفتح زوجته السيدة "ريهام" الباب، قبل أن تعلمنا بأنه خرج لجلسة علاج مع طبيبه الخاص، وتمنت لزوجها الشفاء العاجل بقولها: "إن شاء الله يبقى زي الأول وأحسن، ويرجع للملعب تاني".

أحد الجيران: مؤمن زارني بالمستشفى.. ووعدني يلعبني كورة لو خسيت

في الطابق الرابع، يغلق "باسل أحمد"، أحد أصدقاء جناح الأهلي، باب شقته، وهو يتمتم بدعوات له بلهجة صادقة، أملاً في عودته للملاعب مرة أخرى سريعاً، قبل أن يبادرنا بالقول: "أنا أعرف مؤمن من 10 سنين، من قبل ما يسكن هنا، وهو جدع وعمره ما بيسيبنا في الفرح أو الشدة، وما تغيرش بعد ما لعب في الزمالك والأهلي، عايش بنفس التواضع، بأشوفه دايماً وبنتكلم لما نتقابل، وبييجي يتفرج عليا وأنا بألعب كورة في فترة أجازته من النادي".

ورغم أن "باسل"، صاحب الـ21 عاماً، ينتمي لجمهور الزمالك، إلا أنه يعشق "سفير سعادة الأهلاوية" كثيراً، وشعر بحزن عميق عند رحيله من الفريق الأبيض، وتابع بقوله: "في مرة تعبت جداً ولقيته جه يزورني بالمستشفى"، وأضاف: "لما كنت صغير، كان نفسي ألعب كورة، بس كنت تخين، وكان بيشجعني إني أخس، ووعدني إنه هيساعدني، وكان بييجي بعد مباريات القمة يقعد يهزر معانا، وبنتصور جنبه وهو عامل حركته المشهورة.. ربنا يقومه بالسلامة".

حارس العمارة: لما بيسجل جون بيبقى يوم عيد.. وعمري ما نسيت يوم زيارة الجمهور

داخل غرفة صغيرة، على يسار سلم العمارة، يقيم "عم عرفة"، حارس العقار، مع أفراد أسرته، الذين دائماً ما يتعاملون مع اللاعب عند دخوله أو خروجه من العمارة، تحدث إلينا قائلاً: "عاصرت الكابتن مؤمن وهو نجم وهداف، والناس كلها بتشيد باسمه، وصعبان عليا دلوقتي وأنا شايفه قدامي تعبان، وبأتمنى من ربنا يقومه بالسلامة ويمتعنا من تاني".

يوم انتصار "الأحمر"، خاصةً إذا جاء هدف الفوز بأقدام "مؤمن"، بمثابة عيد لـ"عم عرفة"، ينتظر قدوم اللاعب ليقدم التهنئة له، ويدور حوار بينهما لعدة دقائق حول المبارة، قبل أن يدخل إلى الأسانسير، وتابع بقوله: "عمري ما نسيت يوم ما الجماهير جت له هنا، وهتفت باسمه، كان طاير من الفرحة، وكلنا فرحنا علشانه، وهو راجل كريم وبيحب الخير".

يلتقط "أحمد"، نجل حارس العقار، أطراف الحديث من والده، ليبادرنا بالسؤال: "انت بتسأل عن كابتن مؤمن؟"، قبل أن يستطرد بالإعراب عن سعادته حينما كان يرى مهاجم الأهلي يحتفل بتسجيل الأهداف، وبطريقة تلقائية وضع يديه على أذنيه، في إشارة إلى ذلك الاحتفال الخاص الذي عرفه جمهور الأهلي عن مؤمن زكريا، وأضاف: "بأروح له دائماً، وبأقوله نفسي ترجع بالسلامة تاني لينا يا حراق".

عامل كافيه: بيهزر مع صحابة الزملكاوية ويعمل حركته الشهيرة

وعلى بعد 10 أمتار من منزل مؤمن زكريا، يقوم "أحمد سيد"، عامل بأحد الكافيهات، بترتيب كراسي المقهى، في المكان ذاته الذي طالما جلس فيه اللاعب برفقة أصدقائه لمشاهدة المباريات، أو تبادل المزاح والضحك، وعلى طريقته في لعب الكرة، يمرر السعادة بين مرافقيه، ويرفع عنهم التكليف والحواجز، ويركل لهم الضحكات لتغمرهم الابتسامات، ويجري بينهم نحو عالمه الخاص، بعيداً عن الأضواء.

وقال "سيد" لـ"الوطن" إن "أغلب أصحاب مؤمن هنا زملكاوية، بس مبيزعلوش خالص من الكورة، وبيتكلموا ويهزروا دايماً، عمرنا ما حسينا إنه متكبر، أو حد مشهور وبيتعالى، دايماً حاسين إنه واحد مننا، وبيعملوا معاه حركته الشهيرة، ويتصوروا معاه، وأكتر وقت بأقابله فيه وقت صلاة الفجر في المسجد".

أسطى الورشة: مشوفتش منه غير "كل خير".. وشوفت له رؤية وحكيتها له

يمر من أمام الكافية أحد "الصنايعية"، وهو يدفع بيده غطاء سيارة، متجهاً به نحو "ورشة الكاوتش" المجاورة لعمارة "الزهور"، يضع الغطاء عند أقدام "عم علي"، أسطى الورشة، الذي تذكر سنين من الجيرة جمعته بـ"مؤمن"، لم يجد خلالها منه سوى "كل خير"، على حد قوله، مشيراً إلى أنه قام بزيارته في الورشة أكثر من مرة، وكان يتعامل معه بكل تواضع.

وروى لنا "عم علي"، في الستينيات من عمره، أنه شاهد رؤية في المنام قبل وقت قريب، حول مرض لاعب الأهلي، فما كان منه إلا أن قص عليه رؤياه، "قلت له يا مؤمن يابني أنا شوفت لك رؤية حلوة، وطلب مني أحكيها له، قلت له شوفتك بتتعكز وكنت هتقع، وبعدين سندت نفسك وقمت ومشيت طبيعي، وصحيت على صلاة الفجر"، مشيراً إلى أن اللاعب "فرح جداً، وقال لي يسمع من بقك ربنا يا عم علي".

حلاق مؤمن: الناس بتتلم لما تشوفه.. وبيقول لي اعمل اللي تشوفه

وبخطوات سريعة خرج "ناصر المنياوي"، أحد الجيران، من ورشة "عم علي"، ولسانه يشهد بشهامة وطيبة قلب "مؤمن"، معرباً عن شعوره الداخلي، لدرجة اليقين، بأن اللاعب سيعود للأهلي مرة أخرى كما كان، وقال: "هيرجع زي ما كان يرعب الحراس"، ثم استكمل "ناصر" طريقه نحو "حامد"، صاحب صالون حلاقة، اعتاد اللاعب أن يكون زبوناً له.

حوالي 30 متراً تفصل صالون الحلاقة عن منزل "مؤمن زكريا"، يجلس "حامد" داخل المحل، ليتذكر علاقته بنجم الشياطين الحمر، التي وصفها بـ"الصداقة"، مؤكداً أنه لا يعتبره زبوناً، بل صديق مقرب له، اعتادا الجلوس معاً ليتحدثان سوياً عن أمور الحياة وكرة القدم، خاصةً في الآونة الأخيرة، التي شهدت نجوميته وتألقه، كما شهدت أيام مرضه وابتعاده عن الملاعب.

وتذكر "حامد" أنه فور دخول اللاعب ليقص شعره، يلتف حوله الزبائن، يسلمون عليه، ويلتقطون الصور التذكارية معه، ثم يسأله: "هاه يا مؤمن هتحلق إزاي؟"، ليرد عليه: "يا حامد اللي انت شايفه حلو عليا اعمله"، وهو ما يراه الحلاق بساطة وتواضع منه، واختتم بقوله: "الراجل ده يستاهل الخير كله، ربنا يفرح قلبه، زي ما فرح الناس، ويرجعوا لينا بالسلامة". 

 


مواضيع متعلقة