مركز الوعى البيئى بـ"حدائق القبة".. هنا تتحول النفايات إلى ذهب

كتب: خالد عبدالرسول ومحمد فاروق

مركز الوعى البيئى بـ"حدائق القبة".. هنا تتحول النفايات إلى ذهب

مركز الوعى البيئى بـ"حدائق القبة".. هنا تتحول النفايات إلى ذهب

فى حى حدائق القبة يعزف القائمون على جمعية «ازرع شجرة» الأهلية لحناً مختلفاً تماماً عن كل الألحان التى تنطلق من المدينة الصاخبة، فالحى تتصدره حالياً أبراج شاهقة أقيمت على أنقاض فيلات قديمة أنيقة كانت تميزه، ويعمل القائمون على مركز الوعى البيئى التابع للجمعية فى أحد الشوارع المتفرعة من شارع مصر والسودان، على مساحة فدان من الأرض تم تحويله إلى رئة ومتنفس للمنطقة، ونموذج للتنمية المستدامة والاستغلال الأمثل للموارد، حيث يضم مركزاً لإعادة تدوير المخلفات وتحويلها لسماد عضوى، ومزرعة للنباتات الطبية والعطرية، ومزرعة سمكية، ومنحلاً، ومركزاً تعليمياً وتدريبياً للأطفال والكبار بعد أن كان قبل أعوام قليلة أكبر مقلب للقمامة ومخلفات الهدم بالمنطقة.

مقلب القمامة أصبح رئة للمنطقة وبه مشتل ومنحل ومزرعة سمكية ونباتات عطرية

من داخل المركز حكى نبيل محروس، رئيس مجلس إدارة جمعية «ازرع شجرة» ومدير المركز، عن بدايات الفكرة، عندما كان فى زيارة لجمعية سنابل الخيرية التابعة لها الأرض والمهتمة بالخدمات الصحية، وعرض على مجلس الإدارة تأجير الأرض وتحويلها من مقلب للقمامة يضم مخلفات الجمعية والمنطقة المحيطة إلى مركز للوعى البيئى، وكان هناك ترحيب كبير لدرجة أنه قيل له: «لو هتنضّفوها خدوها من غير إيجار».

"محروس": لدينا نوع من الدود يحول النفايات إلى سماد وسعر الطن 10 آلاف جنيه

«محروس» الذى لم يفارقه حب البيئة منذ صغره وخلال تدرُّجه فى وزارة التعليم حتى أصبح مدير مدرسة، ثم عضواً فى المكتب الفنى لوزير التربية التعليم، الفكرة التى كانت تحركه هى علاج الفجوة الكبيرة بين التعليم الورقى الذى يتحدث عن الحفاظ على البيئة والشجرة، وبين التطبيق على أرض الواقع والأطفال الذين يقطعون الأشجار ويسيئون للبيئة، وإدراكه أن هذه المفاهيم لا يمكن إيصالها للأطفال بالكلام المجرد، ولكن من خلال شرحها عملياً.

واصل «محروس» حديثه قائلاً: «بدأنا العمل مع مجموعة من المتطوعين على مدار ثلاثة أشهر بداية من مارس 2016، وكنا بنيجى يومياً من 8 صباحاً لـ6 مساء، وطلعنا فيهم 140 كونتينر زبالة، ويوم 1 يونيو 2016، ادينا تمام لبعض إن المكان جاهز للافتتاح وافتتحناه».

الأمر لم يخلُ من تحديات أخرى، حسب محروس: «بعد أن تم تنظيف المكان من المخلفات، احلوّ فى عين اللى مأجّرينه لينا، وبعد ما كان ببلاش لقينا ناس جاية تقيسه عشان يتعمل جراج، ثم بعد ذلك فرضوا إيجار شهرى 12 ألف جنيه، وهو الأمر الذى كان يصعب الوفاء به فى ظل عدم وجود مصادر تمويل، وبعد مفاوضات عسيرة اقتصر الإيجار على 3 آلاف جنيه شهرياً».

فرض هذا التحدى على أصحاب المبادرة تحويل فكرتهم لجمعية أهلية لتكون مظلة رسمية لهم، مع محاولة استثمار المكان لتغطية الإيجار والمصاريف، وجاءت فكرة زراعة النباتات الطبية والعطرية عالية القيمة ومحاولة نشرها وبيعها بنصف الثمن، ثم فكرة عمل منحل ليتغذى النحل على رحيق زهور هذه النباتات، وغيرها من المشاريع الإنتاجية التى تشمل تربية الطيور والماعز.

رئيس مجلس إدارة «ازرع شجرة» تذكّر كل الصعاب التى مروا بها وهو يمر بجوار المنطقة المخصصة للنباتات الطبية والعطرية، مستعرضاً أنواعها، بداية من نبات «الاستيفيا» الذى تُستخدم أوراقه فى التحلية كبديل صحى للسكر، والزعتر، والروزمارى، والريحان، والعطر، وكف مريم، وتوقف طويلاً أمام شجرة المورينجا ذات الفوائد الكبيرة نظراً لغناها بمضادات الأكسدة، ويُعتبر العسل المنتج من زهورها من أفضل أنواع العسل، ويمكن تصنيع 24 منتجاً منها، حيث تُستخدم أوراقها كمشروب مُغذٍّ أو تؤكل كالملوخية والسبانخ، ويمكن إنتاج زيت من بذورها، فضلاً عن قدرتها على تنقية المياه.

بالقرب من النباتات الموجودة، يوجد المنحل الذى يضم 10 خلايا، وينتج عسلاً من خلاصة فوائدها، يُعتبر نموذجاً مثالياً لتعليم زوار المركز أن نجاح أى مجتمع يأتى من خلال العمل الجماعى، وأن لغة الأنا تقضى على من يتبناها.

داخل المكان توجد مزرعة سمكية صغيرة تحوى سمك القراميط، وتطفو عليها نباتات «الإيزولا» الخضراء التى يتغذى عليها السمك ويمكن أن تدخل مكوناً فى العديد من أعلاف الحيوانات الأخرى ومنها البط، حيث تم تأسيس مزرعة صغيرة للبط بالفعل ليتغذى عليها، ومن هذه المزرعة يتم أخذ المياه الغنية بالأمونيا التى تتخلف عن الأسماك لرى النباتات، حيث تُعتبر سماداً طبيعياً بديلاً للسماد الكيماوى.

وأوضح «محروس» أن بإمكان هذا الدود الذى استورده عام 2016 بسعر 6 آلاف جنيه للكيلو، تحويل كل 2 طن مخلفات إلى طن سماد، عبارة عن مسحوق يشبه «شاى الخرز»، يباع الكيلو منه بـ20 جنيهاً للكميات الصغيرة، ويصل سعر الطن إلى 10 آلاف جنيه، كما أن الدود نفسه يتكاثر ويمكن أن يتحول الكيلو منه الذى يتراوح سعره بين 700 و1000 جنيه، إلى 4 كيلو بعد شهرين، بما يجعله مشروعاً مربحاً للشباب، فضلاً عن فوائده البيئية.

وتابع: «فى الوقت اللى الناس بره بتشتكى من الزبالة، أنا بقول دى مشكلة فكر، والواقع بيقول إننا لو عملنا مكمورة كبيرة فى مكان ووضعنا فيها المخلفات العضوية وسِبنا عليها كميات من الدود، هتتحول إلى ذهب أسود لديه القدرة على قتل الآفات أو مساعدة النبات على مقاومتها، بجانب قدرته الفائقة على مضاعفة نمو النبات عدة مرات وزيادة إنتاجيته».

الرحلة البيئية الغنية يشرحها رمضان عبدالعزيز، مسئول العلاقات العامة فى مؤسسة «ازرع شجرة»، قائلاً: «الطفل فى المدارس الحكومية مظلوم وبياخد الشرح ورقى وليس عملياً، ومفيش مدرسة فيها مشتل أو صوبة، ومدرّس المجال الزراعى يكاد يكون مش موجود».

اهتمام المركز انتقل من تعليم الأطفال إلى تدريب الشباب والكبار على المشاريع التنموية، بعد أن لاحظ القائمون عليه أن مساعدات المؤسسات الخيرية للناس منحصرة تقريباً فى توزيع البطاطين أو الكراتين، وهى أشياء من وجهة نظره تساعد الناس على التراخى والتكاسل، مضيفاً: «قلنا بدل ما ندى الناس سمكة نعلمهم الصيد ومشاريع تنموية لها مردود عليهم وعلى البيئة».

التدريبات التى يقدمها المركز تشمل زراعة النباتات الطبية والعطرية، أو تأسيس وإدارة المناحل أو صناعة الفيرمى الكومبوست، وتمكين المرأة بمشروعات بيئية تدر عائداً عليها، مثل عمل مشروع صغير فى بلكونتها أو السطح، لزراعة النباتات الطبية والعطرية واستخدامها فى غذاء الأسرة، والعمل فى إعادة تدوير المخلفات العضوية وتحويلها لسماد عضوى».

"نادية": دربنا سيدات على الزراعة وتدوير المخلفات

وقالت نادية شوقى، مديرة التدريب بالمركز، إن المركز درّب سيدات من مناطق مختلفة على الزراعة وتدوير المخلفات العضوية، وكانت كل سيدة تدربت مسئولة عن توصيل الفكرة لـ40 سيدة أخرى، وهى التجربة التى تبدو مصر فى أمسّ الحاجة لتكرارها فى جميع مدنها وأحيائها وقراها.

 


مواضيع متعلقة