"جرائد أثينا" حكاية محل في مصر عمره 125 سنة: ريحته فيه ولو من غير زباين

كتب: عبدالله مجدي

"جرائد أثينا" حكاية محل في مصر عمره 125 سنة: ريحته فيه ولو من غير زباين

"جرائد أثينا" حكاية محل في مصر عمره 125 سنة: ريحته فيه ولو من غير زباين

باب خشبي مصاب زجاجه بالشروخ، لا يغري راغبي البهرجة في دخوله، تدفعه بهدوء فيصدر صريرا شديدا، لتشم من خلال ممره الضيق رائحة الكتب القديمة التي تغري عاشقي الأوراق والتحف، لتجد نفسك داخل محل "توكيل جرائد أثينا" المختص ببيع الجرائد والمجلات اليونانية، المتواجد في أحد الشوارع المتفرعة بمنطقة وسط البلد.

قبل أن تخطوا عتبات المحل تسمع تساؤلات المارة من خارجه يستفسرون عما إذ كان ذلك المحل العتيق يمارس نشاطه أم تحول إلى مبنى أثري لا يبقى منه سوى اسمه، ثم تأتي الإجابات عن تلك التساؤلات السريعة حين تدحل تدخل المحل تمشي فيه من خلال الممر الضيق الطويل المتراص، الذي تجد على جانبيه أرفف تعلوها كتب قديمة يكسوها التراب، توحي بأنه مكان أثري يجعل عينيك تخرج من محجريهما.

في نهاية ذلك الممر تهتدي الأعين إلى نيقولا مدوناس، ذلك الكهل السبعيني الذي يجلس على كرسي منزوٍ في آخر المكتبة يقلب أوراقا قديمة، ليحكي لـ"الوطن"، عن قصة ذلك المحل الذي توارثته 4 أجيال من عائلته وظل متواجدا حتى الآن.

منطقة وسط البلد دائما ما تشبه الكتاب الثمين الذي لا تخلو صفحاته من الإبهار، ومن بين تلك الحكايات محل الجرائد اليونانية الذي بدأت قصة إنشائه في عام 1895، حينها كانت الأسرة تركز على استيراد المجلات الفرنسية والإسبانية الخاصة بالموضة، بالإضافة للجرائد والمجلات اليونانية.

في سن 18 عاما، بدأ "نيقولا" عمله في المحل، يساعد والده في بيع المجلات والكتب اليونانية للأجانب المقيمين في مصر، والذين كانوا يحرصون على شرائها باستمرار، بالإضافة إلى الموزعين الذين كانوا يأتون إلى المحل لشراء المجلات والكتب اليونانية لتوزيعها في المحافظات المختلفة مقابل عمولة يحصلون عليها.

52 عاما، قضاها الكهل السبعيني داخل ذلك المحل، لا يعرف سوى تلك المهنة، التي وجد شغفه بها، يستمتع بقراءه المجلات اليونانية، والتعامل مع التجار والأجانب خلال شرائهم تلك المجلات التي يستوردها من الخارج.

عدة ظروف كانت سببا لتوقف النشاط قبل ما يقرب من عامين في المحل، كان أهمها نقص أعداد الجاليات التي كانت تهتم بشراء تلك المجلات، والتوسع في استخدام تلك المجلات لمواقع الإنترنت مما كان بديلا عن النسخة الورقية للمجلات أو القصص.

تتنوع الكتب الموجودة داخل المحل ما بين كتب تاريخية، مجلات للموضة، قصص للأطفال، وبعض الروايات الرومانسية وغيرها، وجيمعها تعود إلى قبل أكثر من 10 سنوات، وهي المتبقية من عمليات البيع التي كانت تتم في المحل، وجميعها يونانية الأصل تم استيرادها منذ أعوام طويلة.

أسماء عائلة "نيقولا" جميعها أسماء يونانية، وذلك بعدما تأثروا بالتاريخ اليوناني العريق، وهو ما انعكس على صفاتهم وسلوكياتهم أيضًا، فعلى سبيل المثال يعني اسم "نيقولا" في التاريخ اليوناني "الانتصار".

يعيش "نيقولا"، وحيدا في مصر، حيث سافرت جميع أفراد الأسرة بما فيهم أبناؤه إلى اليونان، واستقروا هناك، "أنا بعشق مصر، ومقدرش أسيبها أو ابعد عنها، ومقدرش اتخيل أني أبعد عن المحل اللي قضيت فيه كل عمري".

رغم المحاولات المقربين من الرجل السبعيني، لتغير نشاط المحل إلى أي شيء آخر يتواكب مع العصر الحديث، إلا أنه أصر على الاستمرار في مجاله، "شغلي اللي معرفش في الدنيا غيره، مقدرش أروح اشتغل في حاجة تانية جديدة دلوقتي بعد ما وصلت 70 عاما".


مواضيع متعلقة