الوجه الآخر لـ"كورونا".. الأزمة تضع أسس بناء عالم ذكي ومستدام.. ومؤسسات دولية: القادم أفضل

الوجه الآخر لـ"كورونا".. الأزمة تضع أسس بناء عالم ذكي ومستدام.. ومؤسسات دولية: القادم أفضل
خلّفت أزمة فيروس كورونا العديد من التداعيات السلبية على اقتصاديات دول العالم، حيث توقع صندوق النقد الدولى فى تقرير آفاق الاقتصاد العالمى أن الوباء قد يدفع الاقتصاد العالمى فى اتجاه الركود العميق ليصل إلى معدل نمو 3%، فضلاً عن تحقيق خسائر بـ9 تريليونات دولار خلال عامين، كما توقع بنك التنمية الآسيوى أن يفقد العالم نحو 10% من الناتج الاقتصادى ووصول الخسائر إلى 8.8 تريليون دولار، وذلك بخلاف الخسائر البشرية التى وصلت إلى أكثر من 14 مليون مصاب منذ بداية الأزمة، وما يتعدى الـ600 ألف حالة وفاة.
ولكن فى ظل هذه التداعيات السلبية العميقة التى أظهرت الضعف العام فى الاقتصاد العالمى وقطاعات الصحة والبحث العلمى، هل يمتلك الفيروس التاجى وجهاً آخر إيجابياً؟!
فى يونيو 2020، قام صندوق النقد الدولى بنشر تقرير أعدته كريستالينا جورجييفا، مديرة الصندوق، توضح فيه أن الأزمة غالباً ما تجلب أفضل النتائج، وتؤكد أنه حان الوقت للاستفادة من هذه الفرصة لبناء عالم أفضل.
"كورونا" رفع حالة تأهب الدول تجاه الأزمات المستقبلية.. وعزّز من مهارات إدارتها لتحديات نظرية "البجعة السوداء"
وبررت ذلك بأن الأزمة دفعت الدول لضخ أكبر حزم تحفيزية شهدها الاقتصاد العالمى، حيث قامت البنوك المركزية بحقن 8.7 تريليون دولار كسيولة لدعم الاقتصاد، ونجح الصندوق فى تمويل 60 دولة فى آن واحد، ومساعدة الاقتصادات الأكثر فقراً، وقيام الحكومات بمعالجة نقاط الضعف فى الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية لمواجهة الأزمة، ووضع أولويات للإنفاق تساهم فى تعزيز النمو المستدام والشامل، كما أكدت أن الأزمة جعلت التعاون العالمى حيوياً أكثر من أى وقت مضى.
وقالت جورجييفا إن الأزمة دفعت الدول لإعادة تشكيل سياسات تساعد فى بناء عالم أكثر خضرة، متابعة: «مع استقرار الاقتصادات، لدينا الفرصة لإعادة تحديد أولويات الاستدامة والمرونة إلى جانب الكفاءة والربحية، فستساعد السياسات الصحيحة على تخصيص الموارد للاستثمارات التى تدعم السلع العامة مثل الهواء النظيف، والدفاع عن الفيضانات، والبنية التحتية المرنة، والطاقة المتجددة، وفى الوقت نفسه يمكن أن يؤدى انخفاض أسعار السلع الأساسية إلى خلق حيز مالى للتخلص التدريجى من دعم الوقود الذى يزيد من انبعاثات الكربون، وسيكون المردود كبيراً فى قطاع الطاقة فقط، حيث سيتطلب الانتقال من خفض الكربون، 2.3 تريليون دولار من الاستثمار كل عام لمدة عقد، مما يجلب النمو والوظائف خلال مرحلة الانتعاش».
وترى مديرة صندوق النقد الدولى أن العالم أصبح أكثر ذكاء بفعل الأزمة، حيث ساهمت إجراءات التباعد الاجتماعى فى استخدام التكنولوجيا بشكل أوسع فى إنجاز الأعمال، وفى قطاع التعليم الذى قرر الاستمرار فى هذا النهج حتى بعد انتهاء الأزمة، وقيام الدول بزيادة استثماراتها فى إنشاء بنية تحتية رقمية قوية.
وأضافت أن الأزمة جعلت العالم أكثر عدالة، وذلك مع قيام الحكومات بزيادة الإنفاق لدعم الأفراد والشركات والمجتمعات، موضحة أن هناك فرصة لبناء مجتمعات واقتصادات أكثر عدلاً من خلال الاستثمار فى المواطنين، وهذا يعنى الإنفاق بشكل أفضل على المدارس والتدريب والتوسع فى البرامج الاجتماعية الموجهة بشكل جيد للوصول إلى الأكثر فقراً، وتمكين المرأة عن طريق الحد من التمييز فى سوق العمل، وفرض ضرائب أكثر إنصافاً، وهو ما ظهرت أهميته بشكل واضح خلال فترة الإغلاق وبروز العمالة غير المنتظمة التى لم تحصل على أى حق من حقوقها خلال الفترات الماضية.
وعلى صعيد آخر، يرى الدكتور محمود محيى الدين، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشئون التنمية المستدامة ونائب رئيس البنك الدولى الأسبق، أنه سيكون هناك اختلاف تام فى شكل العولمة بفعل الأزمة، حيث سيشهد العالم فك الارتباط بشكل أكبر، والبدء فى توطين الصناعات داخل الدول، كما أن الشكل الجديد للعالم سيخلو من المسميات التقليدية لدول العالم الأول والثانى والثالث، مؤكداً أن هناك عالماً جديداً يتجه نحو الشرق.
محمود محيى الدين: العالم يوجه بوصلته نحو الشرق والتنمية المستدامة مرهونة بالاستثمار فى رأس المال البشرى
وقال «محيى الدين»، خلال محاضرة «الاستعداد للواقع الجديد»، إن هذه الأزمة كاشفة للقدرات الإيجابية والسلبية، وتنشئ وضعاً عالمياً جديداً، ومن أهم دروسها أن الدول عليها أن تأخذ قضية تحقيق التنمية المستدامة بشكل أكثر جدية فيما بعد، وعلى رأسها الاهتمام بالرعاية الصحية، والتعليم، ومكافحة الفقر، مطالباً الحكومة المصرية بوضع أولوية للتأمين الصحى الشامل وتطبيقه فى جميع المحافظات وليس على سبيل التجريب، متابعاً: «أنا أكثر تفاؤلاً بما بعد الأزمة، فهناك إمكانية كبيرة لتحقيق تطور كبير فى المجتمع المصرى إذا ما أحسنا فهم الدروس من الأزمة، فنحن أمام واقع جديد وعالم مختلف»، مشدداً على أهمية زيادة الاستثمار فى رأس المال البشرى وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم، وتوسيع شبكة التأمينات الاجتماعية والصحية فى القطاعين العام والخاص.
وعلى هذا النسق تؤكد المؤسسات العالمية والخبراء أن الفيروس التاجى عجّل من تغيير سياسات دول العالم ورؤيتها نحو المستقبل، حيث قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين: «إننا نقوم بتحويل التحديات الهائلة لخطة التعافى من تداعيات (كوفيد - 19) إلى فرصة، ليس فقط من خلال دعم الانتعاش ولكن أيضاً من خلال الاستثمار فى مستقبلنا، فستعمل الصفقة الخضراء الأوروبية والرقمنة على تعزيز الوظائف والنمو، مرونة مجتمعاتنا وصحة بيئتنا، واستعدادنا للعمل يجب أن يرقى إلى مستوى التحديات التى نواجهها جميعاً مع الجيل التالى من الاتحاد الأوروبى».
وأوضح التقرير الصادر عن المفوضية الأوروبية بعنوان «الإصلاح والاستعداد للجيل القادم» أن الدولة مطالبة بمعالجة دروس الأزمة، مما ينعكس على سياساتها المستقبلية، وخاصة فى القطاعات التى تأثرت بشكل كبير وانكشف ضعف بنيتها مثل القطاع الصحى، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبى لتخصيص ميزانية بـ9.4 مليار يورو لدعم القطاع ضد الأزمات الصحية، بجانب مجال الرقمنة والتحول للاقتصاد الأخضر، والتوسع فى الطاقة المتجددة، خاصة مع توقع ظهور أزمات نتيجة التغيرات المناخية.
كما قدمت أزمة وباء كورونا تدريبات عملية لدول العالم فى دروس التعامل مع الكوارث والأزمات التى تظهر على طريقة البجعة السوداء أو ما يسمى «البلاك سوان»، التى من المتوقع أن تتزايد وتيرتها خلال الفترة القادمة، خاصة فيما يتعلق بالتغيرات المناخية التى يحاول العالم تغيير مسارها من خلال التحول للأخضر وخفض معدلات التلوث والانبعاثات.