بوش «الغبى» يفوز مع الحملة «الذكية».. وفريق كيرى «المتردد» يدفعه للفشل
![بوش «الغبى» يفوز مع الحملة «الذكية».. وفريق كيرى «المتردد» يدفعه للفشل](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/134933_660_3695200.jpg)
«أحياناً، يمكن لأهل السياسة أن يغرقوا فى بحرها الواسع، وينسوا ساعة الجد كل أساسيات العمل السياسى، وأبجديات الوصول إلى الناس». كانت تلك مقدمة الإصدار الخاص لمجلة «نيوزويك» الأمريكية الذى حمل عنوان «انتخابات 2004»، حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين جورج بوش الابن، ومنافسه وقتها السيناتور الديمقراطى جون كيرى. فى ذلك الإصدار، قرر محررو المجلة فهم الأسباب التى أدت لفشل حملة «كيرى» فى حشد الناخبين لصالح مرشحها، فى الوقت الذى نجحت فيه حملة «بوش» فى الوصول بمرشحها لفترة رئاسة ثانية، رغم كل الكوارث السياسية والاقتصادية التى ارتكبها فى فترته الأولى.
يمكن القول باختصار، إن الحملة الرئاسية الناجحة يمكن أن تصل برئيس «فاشل»، مثل جورج بوش، إلى بر الأمان الانتخابى، فى الوقت الذى يمكن أن تؤدى فيه الإدارة الفاشلة للحملة الرئاسية إلى إغراق مرشح رئاسى ذى حظوظ عالية، كما كان الحال بالنسبة للسيناتور «كيرى» فى 2004. فى ذلك العام، كان جون كيرى يملك فرصة جيدة للفوز فى الانتخابات الرئاسية، بعد أن شعر عدد كبير من الناخبين الأمريكيين أن البلاد تسير فى الاتجاه الخاطئ، أمام فشل سياسات الرئيس بوش فى الاقتصاد، والخسائر التى تكبدها الأمريكان بسبب حربه على العراق.
فى تلك الانتخابات، كان الناخب الأمريكى مستعداً وراغباً فى التغيير، وفى تجربة البديل، إلا أن الأخطاء التى وقعت فيها حملة المرشح الديمقراطى أفقدته فرصة النجاح، على الرغم من الفراغ السياسى الذى لم يكن بوش ناجحاً فى ملئه.
صارت حملة «كيرى» فى انتخابات 2004 مضرب المثل فى الأخطاء التى يمكن أن تقع فيها الحملات الرئاسية، فى الوقت الذى عرفت فيه حملة «بوش» كيف تحافظ على أبجديات نجاح الحملات فى حشد الناس. من هذه الأبجديات: الحرص على توصيل رسالة واضحة ومفهومة للناس بشكل منتظم. السعى إلى إقناع الناس ببرنامج واضح، وليس «تلقينهم» ما الذى ينبغى فهمه، إضافة إلى ضرورة الرد السريع والحاسم على أى هجوم من الحملة المضادة، ووضوح تسلسل القيادة ومسئوليات أفراد الحملة أمام الناس، وبين بعضهم البعض.
كانت الرسالة الواضحة التى اعتمدت عليها حملة «بوش» فى حديثها للناخبين أن «الرئيس رجل قوى قادر وحاسم، بينما السيناتور كيرى هو رجل ضعيف الإرادة والشخصية». وكانت حملة «بوش» شديدة التركيز والإصرار والانتظام والإلحاح فى بث رسالتها بما يعكس تماسك حملته ككل. فى المقابل، كانت حملة «كيرى» عاجزة عن التركيز على رسالة بعينها. ركزت حملته فى البداية على رسالة «التصويت لكيرى تصويت من أجل دولة قوية وآمنة». وأفرط «كيرى» فى الحديث عن ماضيه كمقاتل فى حرب فيتنام ليظهر صلابته وحسمه. لكن الحملة لم تستمر فى الإلحاح على نفس الرسالة، وسرعان ما اختارت التركيز على تقديم كيرى بصورة أخرى: إنه «الفكر الجديد» والتغيير الذى يريده الأمريكان لبلادهم.
التقلبات المزاجية للرأى العام كانت تربك حملة «كيرى»، وتدفعهم لملاحقتها بتغيير رسالة الحملة، فى الوقت الذى لم يعرف فيه الناخبون المترددون كيف يحسمون موقفهم أمام ارتباك صورة المرشح التى تقدمها حملة «كيرى»، فى الوقت الذى ركزت فيه حملة «بوش» على ناخبها المستهدف الذى ظلت ثابتة عليه منذ البداية، وتحديداً، المواطن الأمريكى المشغول الذى لا يملك وقتاً إلا لسماع رسالة واحدة، كانت تتردد بانتظام وإلحاح فى حملة بوش، دون تقلب ولا تغيرات، تقول: «الرئيس بوش هو الرجل القادر على قيادة هذه المرحلة».
النقطة الثانية هى أنه كان على حملة «كيرى» أن تقنع الناخبين لا أن تلقنهم ما يجب فعله أو عدم فعله. فيما كانت حملة «كيرى» تركز على محاولة تلقين الناخبين أنه أقرب إليهم فى مختلف القضايا، فإن حملة «بوش» تحدثت عن القضايا التى تُظهر حقيقة شخصيته بالفعل، مثل الإرهاب والعراق، وحاولت أن تُظهر شخصية «بوش» على أنه رجل قوى صاحب مبادئ، حيث اتخذت خطاً واضحاً فيما يتعلق باتخاذ قرار الحرب على العراق، فى حين أن حملة «كيرى» أرسلت خطابات متباينة أضعفت من موقفه وجعلته يخسر شريحة الناخبين المستقلين.
النقطة الثالثة، والتى تُعد الأكثر حسماً فى السباق الرئاسى، هى الهجوم العنيف الذى قادته حملة «بوش» ضد «كيرى» بشهادة عدد كبير من المقربين منه والجنود الذين خدموا معه خلال فترة خدمته فى البحرية الأمريكية، تحت مزاعم أنه لا يصلح لقيادة أمة بحجم الولايات المتحدة. وبمساعدة مستشار حملة «بوش» آنذاك «بين جينسبرج» استطاعت تلك المجموعة من الجنود السابقين والمقربين من «كيرى» استهدافه، وتوجيه الانتقادات اللاذعة له.
أما النقطة الرابعة، التى حسمت السباق لصالح بوش، فهى سلسلة العمل القيادى الذى تقدم به كلا المرشحين آنذاك، فحملة «بوش» كانت معروفة وواضحة بالنسبة للناس والرأى العام، من هو الأقرب إليه وما هى مسئوليات أصغر فرد فيها؟ وكانت سلسلة القيادة لتلك الحملة واضحة لا لبس فيها. أما «كيرى» فقد كان على النقيض تماماً، وامتلأت حملته بعديد من الاضطرابات، بداية من طرد مدير الحملة، وحتى خلافاتهم التى دأبوا على محاولة رأب الصدع فيها دون جدوى، بسبب اختلاف تصريحاتهم وتوجهاتهم.