قانون الإفتاء والفتنة التى خمدت!!

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

وافق مجلس النواب فى جلسته العامة يوم الأحد 19 يوليو 2020م على مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء المصرية، فقامت فتنة زعم أصحابها أن القانون فيه تعدٍّ على الأزهر الشريف واختصاصاته، وقد ساعدت صحف ومواقع «صوت الأزهر» و«الجزيرة» و«عربى 21» فى إشعال الفتنة فى موقف غير مسئول منها، ومن الأسف أن نضطر لذكر «صوت الأزهر» ضمن «الجزيرة» و«عربى 21» لتوحُّد الموقف.

استشعر الأزهر الشريف بقيادة شيخه الجليل وهيئة كبار العلماء الموقّرة أن فتنة تكاد تنبعث وتشتعل، فخرج بيان محترم باسم الهيئة يوم 25 يوليو ليخمد الفتنة القائمة.

أعلن البيان صراحة أن «رأى الأزهر الشريف فى مشروع القانون جاء فى إطار التقاليد البرلمانية التى أوجبها الدستور، ولا يمكن بأى حال تصوير الخلاف على أنه صراع بين المؤسسات كما تصوره بعض النوافذ المغرضة، بما يغذى أجنداتهم المتربصة بمصر، التى تختلق الفتن وتحرص على إشعالها، والتباين فى الآراء يأتى فى إطار المصالح العليا للوطن، والهيئة تدعو جموع المواطنين إلى عدم الانسياق وراء تصورات صُناع الفتن الراغبين فى إشعال الصراع (مثل: الجزيرة - عربى 21 - صوت الأزهر)، ودار الإفتاء كانت دائماً أحد أذرع الأزهر المهمة، ووجودها تحت مظلة الأزهر أمر مفروغ منه منهجياً وفكرياً»، (ما بين القوسين توضيح من عندى).

البيان لا يعنى موافقة على القانون، والقضية ليست الموافقة من عدمها، فالقوانين دائماً موضع اختلاف وتباين، لكنَّ فرقاً بين عدم الموافقة من منطلق وجهة نظر محترمة، وبين القول بأن القانون يهدم الأزهر، ويمزّقه ويعتدى على اختصاصاته.

لم يُجب دعاة الفتن عن السؤال الآتى: ما المهمة التى كان يؤديها الأزهر قبل القانون، ثم هو يعجز عن تأديتها (إن أراد) بعد إقرار القانون؟

القانون الجديد نص على تبعية دار الإفتاء لمجلس الوزراء، بعد أن كانت تابعة لوزارة العدل، وفى هذا تقدير وتكريم من الدولة المصرية لدار الإفتاء، وللدور الذى تضطلع به، فى القضايا المختلفة.

البيان الأول الصادر باسم هيئة كبار العلماء والسابق لإقرار القانون -وهو البيان الرافض للقانون- ليس بياناً شرعياً صادراً من الهيئة بصفتها العلمية المعتبرة، لكنه بيان قانونى قد يكون كتبه مستشار قانونى، وقد تبيّن بعد صدور القانون أن أوجه التخوّف فى البيان ليست فى محلها، بدليل مشاركة أعضاء من هيئة كبار العلماء فى القانون.

لا يوجد فى القانون أى اعتداء على الأزهر، لأن دار الإفتاء لم تكن تابعة للأزهر، لكى يقال إنها انتُزعت منه!، بل كانت تابعة لوزارة العدل، ثم انتقلت تبعيتها لمجلس الوزراء.

القانون لم ينزع دور هيئة كبار العلماء، بل ظل اختيار المفتى كما هو أصالة من الهيئة، مع تعديلات لم تخلّ بدور الهيئة فى اختيار المفتى، كما أن الرئيس يحق له التجديد للمفتى الذى رشّحته الهيئة.

دار الإفتاء المصرية ليست مناقضة للأزهر ومنهجه، بل داعمة له، فلا توجد فتوى واحدة خالفت فيها الدارُ هيئةَ كبار العلماء، بل الواقع يقول إن هناك تنسيقاً بين الطرفين إلى أبعد الحدود، حتى لو لم يكن بصورة رسمية، بل إن موقف الأزهر من قضايا العقيدة والشريعة والوطن والدولة والتطرّف والأسرة والعبادات والمعاملات والاقتصاد... إلخ، هو هو موقف الإفتاء، ولذلك أكد فضيلة المفتى أمام مجلس النواب اعتزازه الشديد بالأزهر الشريف، واعتبره هرماً راسخاً، يمثل قوة حقيقية لمصر فى الداخل والخارج.

إن الذى قدَّم القانون، وتحمّس له، ليس محسوباً على دار الإفتاء، بل هو أحد علماء ورموز الأزهر الشريف وجامعة الأزهر، الدكتور «أسامة العبد» الرئيس السابق لجامعة الأزهر، والأستاذ المرموق بكلية الشريعة.