علا الشافعي تكتب: شاهين دائما وأبدا

علا الشافعي تكتب: شاهين دائما وأبدا
معظم المهتمين بالسينما، والعاملين فيها أصبحوا من جمهور "منصة نتفليكس،" والتي بات لها جمهور كبير في الشرق الأوسط لذلك تعمل في هذه الفترة على شراء أكبر عدد من الأعمال المصرية والعربية سواء في الدراما والسينما (رغم تحفظي على وجود بعض المسلسلات التي يصعب مقارنتها بأي حال من الأحوال بالأعمال الأجنبية المعروضة، حيث يحتاج عدد كبير منها إلى إعادة مونتاج حلقات المسلسلات والتي تصل إلى 30 حلقة يغلب عليها المط والتطويل). بعيدا عن الأعمال الدرامية التي تحتاج إلى النقاش حولها، والآلية المختلفة التي يجب التعامل من خلالها مع تلك المنصات لنقدم إنتاجا مميزا قادر على المنافسة حقا.
إلا أنّ أكثر ما يسعد الكثيرون، وأنا منهم بالطبع، هو وجود أكثر من عمل للمخرج المبدع يوسف شاهين (ولد عام 1926، في الإسكندرية وتوفي عام 2008)، والتي أعلنت " نتفليكس" توافرها على منصتها خلال هذا الشهر، والأفلام المعروضة هي من النسخ التي تم ترميمها من أعمال شاهين ومنها "صراع في المينا، صراع في الوادي، اسكندرية ليه، اسكندرية كمان كمان، الأرض، الناصر صلاح الدين، حدوتة مصرية، عودة الابن الضال، المهاجر، والمصير".
تلك الأفلام التي تعد كنز حقيقي لعشاق السينما في العالم، والتي من خلالها تستطيع أن تقدم فنك وسينماك لمشاهد جديد ومختلف، وشرائح عمرية متباينة، أما بالنسبة لنا فهي فرصة حقيقية لمشاهدة إنتاجات شاهين من جديد وبنسخ جيدة، بعيدا عما كانت تعرضه القنوات العربية، والأهم دون رقابة وهو ما يوفر متعة حقيقة من المشاهدة والاكتشاف بدءا من قراءة التترات والتي تحفل بأسماء لكبار المبدعين الذين أعطوا السينما المصرية الكثير.
تلك الإبداعات الخالصة التي قدمها شاهين ترتبط عند الكثير مننا بحالة جارفة من الحنين، تستعيد معها المشاهدات الأولى لبعضها في دور العرض، وأخرى على شرائط الفيديو مشاهد بعينها نعيد الفرجة عليها وتأمل تفاصيلها بشغف كبير، جمل حوارية نحفظها عن ظهر قلب، أداء نجوم يجسدون أدوارهم بشغف وحب، تكوينات وكادرات يصعب أن تجد مثلها فيما نشاهده اليوم، سينما حقيقية لصناع أصحاب مشروعات فكرية وثقافية، يطرحون التساؤلات حول الواقع ويملكون رؤي استشرافية، وهو الأمر الذي يغيب عن معظم انتاجات السينما المصرية حاليا.
تلك الأفلام ترسم ملامح واضحة ومحددة لمشوار المخرج المبدع يوسف شاهين بدءا من أعماله الأولي ومنها "صراع في الوادي، صراع في المينا، وصولا إلى الناصر صلاح الدين"، ثم سيرته الذاتية والتي قدمها شاهين بحرفية وصدق وكان أول مخرج عربي يطرق هذا النوع سيرته التي قدمها في رباعية وهي أفلام "اسكندرية ليه، حدوته مصرية، اسكندرية كمان وكمان ، واسكندرية _نيويورك"، مع هذه الرباعية تكتشف ليس فقط سيرة شاهين الخاصة، وعلاقاته بمن حوله سواء من عائلته أو زملائه في الوسط الفني، بل أيضا شكل وملامح حياة اجتماعية وأحداث سياسية مرت بها المجتمعات العربية حيث يمزج شاهين الخاص بالعام في سلاسة شديدة".
لذلك من يريد أن يتعرف أكثر أو يعيد اكتشاف شاهين أن يعيد مشاهدة تلك الرباعية بترتيبها حسب سنوات الإنتاج (بالطبع هناك تفاوت في المستوي)، ولكنها معا تشكل واحدة من أهم تجارب يوسف شاهين في السينما العربية، إضافة إلى ملحمة فيلمي "الأرض" و"عودة الابن الضال".
عرض إبداعات شاهين، ويسري نصر الله أيضا، على "منصة نتفليكس" يجعلنا نتساءل حول الكثير من الابداعات المهمة لكبار مخرجين السينما المصرية ومنهم شادي عبدالسلام، وصلاح أبو سيف وبركات، وسعيد الشيخ، وسعيد مرزوق وحسين كمال وغيرهم من نجوم الإخراج السينمائي المصري والتي تركناها بسهولة شديدة ولم تعد ملكا لنا بعد التفريط في تراث السينما المصرية وبيعه بأبخس الأسعار، تصوروا معي كيف كان سيكون المشهد بتوافر المكتبة الضخمة للسينما المصرية على المنصات العالمية، وكم من الأموال كانت ستدرها على الاقتصاد المصري وما هو الحال عندما ستقوم القنوات العربية التي اشترتها ببيعها إلى تلك المنصات؟
نحمد الله أنّ المخرج العبقري يوسف شاهين وجد من يحمي تراثه ويحافظ على إنتاجات شركته، سواء من إخراج شاهين أو أبناء مصر العالمية أما ما حدث للسينما المصرية وتراثها لا يعكس إلا شيئا واحدا وواضحا أنّها بالفعل صناعة لقيطة كما سبق وأشرنا.