علا الشافعي تكتب: "بنات ثانوي".. قضية خطيرة وتناول تقليدي سطحي

علا الشافعي تكتب: "بنات ثانوي".. قضية خطيرة وتناول تقليدي سطحي
- بنات ثانوي
- فيلم بنات ثانوي
- صناعة السينما
- الفن
- أخبار الفن
- بنات ثانوي
- فيلم بنات ثانوي
- صناعة السينما
- الفن
- أخبار الفن
هل بات لزاماً علينا أن ندافع عن العديد من الإنتاجات مهما تواضعت مستوياتها، انطلاقاً من ضرورة دفاعنا عن صناعة السينما المصرية التى لا تزال تحتاج وقفة حقيقية وجادة؟ أم نطرح التساؤلات الجادة لصالح الصناعة وتطورها؟
أعتقد أننا يجب ألا نتوقف عن طرح تلك التساؤلات، وهو ما لا يتعارض مع الوقوف إلى جانب التجارب السينمائية المختلفة التى تتنافس فى موسم منتصف العام الدراسى، ومنها فيلم «بنات ثانوى»، للمخرج محمود كامل، وهو التجربة الأولى للمؤلف أيمن سلامة فى الكتابة السينمائية، رغم تعدد أعماله فى الدراما التليفزيونية، وبطولة عدد من النجوم الشباب ومنهم جميلة عوض ومايان السيد ومى الغيطى ومحمد الشرنوبى وهنادى مهنى وهدى المفتى ومحمد مهران، وآخرون، وإنتاج أحمد السبكى.
مما لا شك فيه أن الموضوع الذى اختاره «سلامة» هو موضوع شائك، وشريحة عمرية تلقى الكثير من التجاهل وهم المراهقون وأزماتهم النفسية وشعورهم الدائم بالغربة، ووالاغتراب وحاجتهم الماسة لوجود من يستمع إليهم ويتفهم احتياجاتهم، والمفارقة أن تلك الشريحة، التى لا يتوقف عندها كثيراً صناع السينما المصرية، هى الفئة العمرية التى تشكل الجمهور الأساسى من مرتادى السينما، وعلى مدار تاريخ السينما المصرية هناك العديد من التجارب المهمة التى ناقشت مشاكل وأزمات تلك الشريحة العمرية ومنها «إحنا التلامذة» 1959، و«المراهقات» عام 1960، و«اغتيال مدرسة، وسنوات الخطر» فى الثمانينات، و«مذكرات مراهقة» عام 2001، و«أوقات فراغ» 2006، و«أسرار البنات» وغيرها، وهى الأفلام التى شكلت وجدان بعضنا، ليس ذلك فقط بل إن بعض معالجاتها كانت شديدة الجرأة فى طرح الكثير من أزمات المراهقين والشباب رغم تفاوت المستوى الفنى.
والمفارقة أن فيلم «بنات ثانوى» الذى يعرض فى 2020 نستطيع أن نطلق عليه «فيلم منضبط» على مستوى التنفيذ، وشديد التقليدية والنمطية فى رسم بعض الشخصيات وملىء بـ«الكليشيهات» على مستوى المضمون، والمعالجة الدرامية، ولم يأت بجديد على مستوى الإنتاجات السابقة بل جاءت معالجته شديدة المحافظة، ولم يخلُ الجزء الأخير من أحداث غلبت عليها الميلودراما.
ولكن هل نلوم صناع الفيلم على ذلك أم أنها طبيعة المجتمع الذى صار أكثر انغلاقاً؟.. وهل بات علينا أن نرضى بما يقدم، ونستسلم بدعوى «المهم الصناعة تفضل شغالة»؟ وهى تساؤلات جديرة بالطرح.
تدور أحداث فيلم «بنات ثانوى» حول خمس صديقات (طالبات ثانوية) فى إحدى المدارس الحكومية المصرية، تتعرض كل منهن لمشكلات وأزمات اجتماعية، دون حرق للأحداث والتطورات الدرامية، منهن من تقع فى غرام المدرس «هدى المفتى»، وأخرى تتورط فى علاقة غرامية وزواج شفهى مع «مبلط سيراميك، وشيخ جامع»، وبالطبع عائلتها فى الخليج وتعيش مع شقيقها تجسدها «هنادى مهنى»، واليتيمة التى فقدت عائلتها وتعيش مع خالتها وتستعير قصص الآخرين من حولها لتصنع الحياة التى تريدها «مايان السيد»، وأيضاً من تعانى من انفصال الأب المدمن وزواج الأم، وتحرش صديق الأب الذى يشاركه جلسات التعاطى، تجسدها «مى الغيطى»، والبطلة التى تبدأ من عندها الأحداث مهووسة «السوشيال ميديا»، والتى تعانى عائلتها من فقد ثروتهم بعد ثورة يناير وتراجع مستواهم المادى والاجتماعى وتقوم بدورها «جميلة عوض»، والتى تدخل علاقة حب بكامل وعيها مع «محمد الشرنوبى»، الذى يحاول إيهامها بواقع مختلف عما يعيشه فى حقيقة الأمر.
تلك الخطوط الدرامية، لقصص الفتيات الخمس، حاول المؤلف أن يجعلها تسير بشكل متوازٍ إلى حد كبير، ولكن تلك الحالة فقدت الكثير من بهجتها وثرائها الدرامى المفترض بسبب أن الفتيات يتحدثن طوال الوقت بنفس طبقة الصوت المرتفعة والمصحوبة بالنبرة الشعبية، وردود الأفعال المبالغ فيها مع كل من حولهن طوال الوقت حتى فى مواقف بسيطة لا تستدعى ذلك، ومثلاً لو نظرنا لشخصية جميلة عوض، كما رسمها المؤلف المفروض أنها تنتمى لأسرة أرقى اجتماعياً، كما نفهم من سياق الأحداث حيث اضطرت أسرتها إلى إلحاقها بمدرسة حكومية بعد الأزمة المالية التى تعرضت لها نتاج ثورة يناير، حيث بالكاد استطاعت إلحاق شقيقها بإحدى الجامعات الخاصة نجدها هى الأخرى تتحدث بنفس اللهجة كما لو أنها تنتمى لنفس الطبقة، وكان على المخرج أن يلتفت لهذا الأمر، والأهم هو التطور الميلودرامى المبالغ فيه الذى تطورت إليه الأحداث فى الجزء الأخير من الفيلم.
وقد تتشابه تلك القصص ومعاناة الفتيات مع واقع حياتى للكثيرات والكثيرين، ولكن ليس دور السينما والفن نقل الواقع كما هو، بل كثيراً ما نحتاج الاختزال والتكثيف والرؤية الفنية والدرامية التى تحمل هذا الواقع وتعيد تشكيله وطرح أسئلة بشأنه، وهناك من المبدعين من يستشرف أيضاً المستقبل من خلال الواقع الذى نعيشه.
ويبدو أن استسلام صناع الفيلم للواقع المتحفظ جعلهم يميلون أيضاً إلى الوعظ الأخلاقى ورسالة واضحة فى الفيلم وهى «أن القديم مش كله وحش»، وعلينا أن نتمسك به، حيث فضل المؤلف أن ينهى الفيلم بوعظ أخلاقى، وطرح حلاً لمشكلة هى أعمق بكثير، وتحتاج إلى تحليل وحلول أقوى من الحل المطروح فى النهاية، والمتمثل فى ضرورة الرقابة على الفتيات والتمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة، فهذه النوعية من القضايا يفضل فيها الاكتفاء بعرض المشكلة فقط لكن طبيعة المجتمع المتحفظ الذى يعرض فيه الفيلم هى السبب فى عدم تحليهم بمزيد من الجرأة.
ورغم تلك الطبيعة التقليدية للفيلم إلا أن الممثلات نجحن فى إتقان تفاصيل أدوارهن إلى حد كبير، وبالفعل نحتاج أن تستعيد السينما قوتها، وتنوع الموضوعات، التى تقدم بعيداً عن استنساخ السينما الأمريكية، ولكن فى ظل ما نشهده من تطورات، خصوصاً أن المراهقين والشباب أصبحوا يشاهدون الكثير من الإنتاجات الجريئة التى تتحدث عن مشاكلهم وعالمهم من خلال المنصات المتاحة بعيداً عما نطرحه من رسائل وعظية وإرشادية.